راديو الاهرام

مهدي مصطفى يكتب: لكن روسيا.. ليست جرينادا

8-2-2022 | 10:20
الأهرام العربي نقلاً عن

يتشدق الليبراليون الغربيون، وتوابعهم فى المجتمعات غير الغربية، بعبارة يضعونها موضع التقديس، هى أن الدول الديمقراطية لا تحارب، ولا تغزو، وكثيرا ما دبج بعض الليبراليين فى بلادنا العربية، هذا المعنى فى مقالاتهم السيالة، باعتباره من قواعد الإيمان الذى لا يناقش حول الليبرالية المطلقة.

يبدو أن هذا التعبير استفز عالم الاقتصاد المصرى رمزى زكى، فألف كتابا كاملا فى الاقتصاد عنوانه (الليبرالية المستبدة) يفند فيه هذه الترهات، على الأقل من الجانب الاقتصادى!

وها هى الآلة الليبرالية، من إعلام، ومراكز تفكير، ومراكز أبحاث، لا تتوقف ليل نهار عن إشعال حرب فى آخر بقعة من أوروبا الشرقية، حيث توجد أوكرانيا على الحد الفاصل بين ما هو غرب وبين ما هو شرق.

لا تتوقف آلة الإعلام، ولا الدبلوماسية المكوكية، ولا مراكز حلف الناتو، عن التحذير من غزو روسيا لأوكرانيا بين لحظة وأخرى،  ثم الإسراع بسحب الدبلوماسيين الغربيين من العاصمة الأوكرانية كييف، ثم أخيرا سحب وسائل الإعلام والصحفيين والمراسلين فى أوكرانيا، تماما كما كان يجرى فى العراق، وأماكن أخرى، قبل الغزو.

أما روسيا فلن تغزو أوكرانيا، ولا يمكن أن تحاصر كدولة صغيرة، ومن المستحيل أن تعرض نفسها لفكرة اقتطاعها من نظام سويفت المالى العالمي، ولا يمكن أن تضحى أوروبا المتاخمة لها بالغاز الروسى بوعود أمريكية غير قابلة للتحقيق، حتى لو سعت الولايات المتحدة الأمريكية لجلب الغاز من  أماكن أخرى، يفاوضها الآن الرئيس جو بايدن لتعويض أوروبا بالغاز!

ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، بح صوتها فى الردود على وسائل الإعلام، بأن بلادها لا تريد، ولا تفكر فى غزو الجارة أوكرانيا، وتذكر الجارة بمصير البلاد التى صدقت الوعد الديمقراطى الأمريكى، وتحذرها من السير فى ركاب الغرب، ذكرتها بأحداث الإقليم العربى، وكيف خلفت هذه الأحداث أوضاعا مأسوية للشعوب التى انجرفت وراء الشعارات البراقة، واستندت إلى اعترافات الجنرال الأمريكى ويسلى كلارك بعد أحداث  11 سبتمبر، والذى قال فيها: ذات يوم كنت فى البنتاجون، واستدعانى ممثل عن هيئة الأركان العامة إلى مكتبه، وقال: «إنه يريدنى أن أعرف أننا سنهاجم العراق».

سألته: لماذا؟
فأجاب: لا أعلم”.

يبدو أن نداء ماريا لا يلقى آذانا صاغية لدى الرأى العام الغربى، المتخم بفكرة الغزو، فلو أن روسيا من وجهة نظرهم، أقدمت  على العبث بفناء الجارة الطامحة للانضمام إلى حلف الناتو، فإن روسيا  نفسها ستتعرض لغزو شامل!

يا لها من مفارقة عجيبة، كيف سيتم غزو دولة هى الأكبر مساحة فى العالم، “ أكثر من 17 مليون كيلو متر مربع”، فشل فى الوصول إليها نابليون بونابرت، وكذلك أدولف هتلر؟!
هل يعتقد الليبراليون المتشبعون بفكرة الموت المجانى، والمولعون بالحروب المستمرة أن روسيا هى جرينادا؟

جرينادا دولة صغيرة فى البحر الكاريبى، مجموعة جزر صغيرة، مساحتها 348.5 كيلومتر مربع، عدد سكانها 95 ألف نسمة، ويعود اسمها إلى غرناطة العربية الأندلسية، أما سكانها الحاليون فمعظمهم من أصل إفريقى، كانت مستعمرة فرنسية - بريطانية لقرون طويلة، ثم استقلت عن الأخيرة عام 1974، ثم  إيرك جيرى وحركته التى كانت تطالب بالاستقلال، ثم حكمها الثوار اليساريون بقيادة موريس بيشوب منذ عام 1979.

فى 25 أكتوبر عام 1983 قرر الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، غزوها غزوا شاملا، بذريعة حماية 600 طالب طب، كانوا يدرسون فى هذا البلد اليسارى الصغير، وكان صراع نشب بين أطراف السلطة وجماعة الليبراليين الذين تدعمهم أمريكا، لحظتها هتف الرئيس ريجان وجدتها، وجدتها على طريقة أرشميدس، فالرئيس الممثل السينمائى كان يعانى من الهجوم الشرس على المارينز فى بيروت، يوم  23 أكتوبر من نفس العام، ووسط ركام القتلى والجرحى وانسحاب الأسطول السادس من بيروت، لم يجد ريجان: إلا هذا البلد الصغير فى الكاريبى ليغزوه، ويعلن بداية عصر جرينادا الديمقراطية، وذهبت اعتراضات الجمعية العامة، ومجلس الأمن فى ذلك الوقت أدراج الرياح، المهم «الديمقراطية الساخنة»!

فهل روسيا هى جرينادا، أو حتى أوكرانيا نفسها  هى جرينادا لو فكرت روسيا فى غزوها؟ وهل يمكن أن تكون فكرة الغزو المستمرة فكرة ليبرالية صائبة؟

إنه غبار دبلوماسى وإعلامى كثيف، سيتلاشى سريعا، انتظارا لجولة أخرى من نفس نوع الضباب.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة