باتت مشكلة ضرب الزوجات أزمة تهدد السلم الاجتماعي مع تزايد أعداد الدعاوي القضائية المتعلقة بها في ساحات المحاكم، ووصول بعض حالات الاعتداء إلى القتل الخطأ والعاهات المستديمة، واستمرار التصورات الدينية الخاطئة حول إباحة ضرب الزوجة الناشز.
موضوعات مقترحة
وكان قد تصاعد الجدل خلال الأيام الماضية حول ضرب الزوجات وموقف الإسلام منه، خاصة بعد الإعلان عن إعداد تشريع بمنعه وتوقيع عقوبة على من يؤتي هذا الفعل، لكي تصل مدة العقوبة لما لا يزيد عن 5 سنوات، حيث أن الكثير أصبح يسيىء فهم الضرب رغم ما حددته له الشريعة الإسلامية من ضوابط وحدود معينة.
ضرب الزوجات أمر محظور شرعا
وتصدت لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية، لتلك المشكلة حيث أكد أن ضرب الزوجات محظور بحسب الأصل، ولابد من منع هذا التصرف الشائن، لأنه لا يجوز اللجوء إلى الضرب إلا إذا فرضته ضرورة إنقاذ الأسرة من الضياع بسبب نشوز الزوجة واحتقارها زوجها بالتعالي عليه والتجاوز في حقه، لتكون إباحته في تلك الحالة من باب اختيار أهون الشرين وأقل الضررين.
كما قالت إنه من المعلوم شرعا أن العلاقة الزوجية تقوم على السكن والمودة والرحمة، وتوجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن يبالغ في إكرامها وحسن عشرتها، إذا كان القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك، وبين حدود الإباحة في هذا التصرف، فإن السنة النبوية قد ضبطته بما يحقق حفظ الأسرة من الضياع، وبما لا يمس كرامة الزوجة أو يترك في نفسها أثرا منه والخروج على حدود العشرة التي أمر بها الشرع وأقرها القانون.
وأوضحت أنه إذا كان بعض الناس أساءوا استعمال المباح في هذا الموطن وغيره واستعملوا في حالة النشوز دون استيفاء شروطه أو تحسب لما يترتب عليه من آثار، فيكون من حق ولي الأمر تقييد استعمال هذا المباح، ومن الممكن أن تطرح قضية الضرب عموما كقضية اجتماعية عامة، ليس للزوجة الناشز فقط، ولكن بشكل مطلق، لأن الضرب إهانة تسبب للإنسان عقدا نفسية قد لا تفارقه حتى يدخل قبره.
8 ملايين سيدة تتعرضن للضرب
وهناك نحو 8 ملايين سيدة مصرية تتعرضن للعنف، و86% من الزوجات يتعرضن للضرب من الأزواج، بحسب الإحصائية الأخيرة للمجلس القومي للمرأة، وذلك على الرغم من محاولات الدولة الدائمة لوقف هذه المشكلة وسن التشريعات والقوانين.
ضرب الزوجات السبب الرئيسي لزيادة الطلاق
تكشف الإحصاءات الرسمية أن هناك حالة طلاق كل دقيقتين في مصر، وبلغت نسبة حالات الطلاق قرابة 50% من إجمالي حالات الزواج الجديدة، ويعد العنف الأسري وضرب الزوجات أحد أهم الأسباب التي تدفع نسبة غير قليلة من النساء إلى السعي لطلب الطلاق أو الخلع.
وينص القانون حاليا على عقوبة ضرب الزوجة والتي تبدأ من 6 أشهر إلى سنة أو سنتين أو أكثر حسب الضرب الذي تعرضت له والأداة المستخدمة وحجم الضرر الواقع عليها ونية الشخص نفسه، وعلى سبيل المثال إن كان غرض الزوج من الضرب إجهاض الحمل أو الموت أو غيره، كما يتم فرض غرامة مالية بحد أدنى 200 جنيه، ويمكن للزوجة المتضررة أيضا طلب التعويض، بحسب ما أكده محمد طايع محامي متخصص في الأحوال الشخصية.
والمادة 266 تنص على: "كل من أحدث عمدًا جرحا أو ضربا بزوجته يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات إذا لم ينشأ عن الجرح والضرب أي مرض أو عجز كلي عن العمل يفوق 15 يوما، أو بالحبس من سنتين إلى 5 إذا نشأ عجز عن العمل يزيد على 15 يوما، وقد تصل العقوبة إلى 20 سنة إذا أفضى الضرب إلى بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله، ويدان الفاعل بالمؤبد إذا أدى الضرب إلى الوفاة دون قصد إحداثها، أما المادة 333، تعاقب بالحبس من شهرين إلى 6 أشهر، وبغرامة مالية كبيرة".
تصحيح المفاهيم الخاطئة لضرب الزوجات
ويشير علماء النفس والاجتماع والفقه، بأصابع الاتهام إلى المؤسسات الدينية باعتبارها ترسخ قناعة لدى الرجل بأنه صاحب الحق في الاعتداء بالضرب على زوجته وأبنائه، لتأديبهم، مؤكدين أن الضرب يولد العنف الأسري ويزيد الفجوة بين الزوجين مما يزيد حالات الطلاق في الدولة، وأن القرآن لم يبح الضرب وهناك فهم خاطئ لبعض الآيات.
الاقتداء بالرسول في أفعاله
ويؤكد الدكتور مبروك عطية الداعية الإسلامية، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب في حياته كلها نسائه رضي الله عنهن أو حتى خادما، فالرسول كان دائما ينهي عن الضرب، وأما ما ورد من قول الله تعالى "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، فتلك مراحل تأديب الزوجة الناشز.
من هي الزوجة الناشز؟
الزوجة الناشز هي من لا تطيع زوجها فيما يجب عليها طاعته شرعا، كالخروج من المنزل بغير إذنه لغير حاجة، والامتناع عنه قصدا بغير عذر، ولكن ضرب الزوجة الناشز هناك مفاهيم خاطئة عنه، لأنه لا يقصد الضرب بالمعنى المعروف عنه.
شروط ضرب الزوجات
وتم وضع ضوابط وشروط له، فيجب على الزوج أولا الوعظ، ثم الهجر في المضجع، والضرب غير المبرح يأتي أخيرا، وله شروط وهي:
- ألا يسبب الضرب أثرا جسديا أو معنويا.
- لا يكون على الوجه.
- أن لا يكون على الرأس، لأن الرأس بها كل مراكز الإحساس بالجسم.
- أن لا تنزف دما.
- أن لا يترك أثرا من احمرار أو ورم.
ويكون الضرب بالتلويح مثلا بالسواك أو قلم رصاص أو فرشاة أسنان دون أذى أو ألم، ويكون بعد استنفاد جميع الطرق بالوعظ والإرشاد والهجر في المضاجع، ثم يأتي الضرب بهذه الشروط، أما الاعتداء على الزوجة أو ضربها لا يجوز شرعا، فيؤكد "عطية" أن ما نراه الآن هو أمر يشبه الشروع في القتل، ومن يقوم بذلك فهو مجرم وهذا أمر لا يقره الإسلام، بل لابد من حبس كل من يعتدي على زوجته بالضرب المبرح.
آثار سلبية لضرب الزوجات
فيما يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، لـ "بوابة الأهرام"، إن ضرب الزوج لزوجته أصبح من الأمور التي تسبب لها أذى نفسيا ينعكس سلبا على الأسرة والأطفال، مما يؤدي إلى دمار العائلة، وزيادة الفجوة بين الزوجين وكسر كبرياء المرأة يجعل الأطفال يقومون بتقليد والدهم كما نرى الحوادث المأساوية التي تحدث هذه الأيام، منوها أن ضعف العقوبة بالقانون سبب رئيسي في استمرار العنف الأسري، وأن خوف المرأة من رفع قضية على زوجها من الأسباب أيضا، لذلك لابد من تغير الفكر وتغليظ العقوبة بالقانون.
ويؤكد "فرويز"، أن بعض الرجال يقيس أن الضرب تدين ويزيد من رجولته أمام الزوجة بأنه الأقوى، ويرون أن عقاب الزوجة في أي نوع من أنواع الخلاف هو الضرب والإهانة لها، منوها أن الزواج شراكة وليس صراعا، وحتى تنجح الشركة لابد من الحفاظ عليها، فلو نجحت ستكبر الأسرة وإذا فشلت سيخسر الطرفان ويشرد الأبناء، لذلك لابد من وجود احترام متبادل بين الطرفين.
تغليظ عقوبة ضرب الزوجات
ويؤيد استشاري الطب النفسي تغليظ عقوبة ضرب الزوجات، موضحا أن تقبل المرأة للضرب المتكرر يجعلها سببا في تكرار العنف، فلابد أن تدرك الزوجة أنه لا يجب أن تعود زوجها على ضربها، وعلى كل زوجة أن تأخذ موقفا حاسما إذا ضربها زوجها لمنع تكرار ذلك، كما يجب على المؤسسات الدينية تجديد الخطاب الديني، وتغير قناعة الرجل بأنه صاحب الحق في الاعتداء على زوجته، وأن المرأة يجب تكريمها وليس إهانتها.