لم تمر أسابيع معدودة على انتحار فتاة الغربية بعد تعرضها للابتزاز إلكترونيًا حتى تبعتها حالة أخرى أكثر مأساوية لفتاة الشرقية، وبنفس خطوات الابتزاز الإلكتروني المزيف؛ أنهت الفتاتان حياتهما هربًا من نظرة المجتمع والذي في أغلبه يرفض طُهرهما، حتى وإن كان على يقين من نجاسة الجاني!!
وتُصنف هذه الجريمة جريمة إلكترونية؛ وهو مُصطلح أصبح محسوسًا داخل مجتمعنا في ظل سلوكيات دخيلة على بعض أفراده، وتفشت في محيطنا بعدما ترعرعت عالميًا منذ فترات ليست بالقصيرة؛ مدعومة بسرعة التواصل الاجتماعي تحت مظلة سماء مفتوحة مُتاحة لأصحاب الضمائر السيئة؛ وبكبسة زر من هاتف نصاب أو مُختل أو مُبتز أو مُتحرش أو مدمن تنقلب حيوات أسر إلى جحيم.
وعند تقييم هذا النوع من الجرائم نجدها تتشابه مع الجريمة العادية في عناصرها؛ من حيث وجود الجاني والضحية وفعل الجريمة، ولكنها أكثر خطورة وتعقيدًا باختلاف البيئات والوسائل المستخدمة؛ فالجريمة الإلكترونية يمكن أن تتم دون وجود الشخص مُرتكِب فعل الجريمة في مكان الحدث، كما أن الوسيلة المستخدمة هي التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال والشبكات المعلوماتية، كما في حالات انتحال الشخصية وتهديد الأفراد وتشويه السمعة باستخدام المعلومات المسروقة وإضافة بعض المعلومات المغلوطة؛ وهو ما ضخم من حجم خطورتها وصعب من إجراءات ضبطها وحكمها.
ويندرج التحريض تحت بند الجريمة الإلكترونية؛ فباستخدام المعلومات المسروقة عن أفراد بعينهم واستغلالها في ابتزاز الضحايا بالقيام بأعمال غير مشروعة تتعلق بالدعارة وتجارة المخدرات وغسل الأموال والعديد من الجرائم الإلكترونية الأخرى.
وكما لم يسلم الأفراد منها، لم تسلم المؤسسات من تبعات تلك الجرائم؛ في صورة اختراق الأنظمة؛ متبوعًا بخسائر مادية وتخريب في النظم؛ تمثل في سرقة الأموال واختراق الحسابات البنكية والحسابات المتعلقة بمؤسسات الدولة وغيرها من المؤسسات الخاصة، وامتد الأمر لسرقة البطاقات الائتمانية، ومن ثم الاستيلاء على أموال أصحابها.
ولعل الوسط الثقافي والفني قد بح صوته استغاثات في السنوات الأخيرة؛ بسبب انتهاك حقوق الملكية الفكرية والأدبية؛ في صورة انتشار نسخ غير أصلية من البرامج وملفات الملتيميديا ونشرها من خلال الإنترنت، مما تسبب في خسائر فادحة في مؤسسات صناعة البرامج والصوتيات وخسائر أفدح لدور النشر.
ولا نستثني الجرائم التي تستهدف أمن الدولة، والتي تتجلى في تفشي برامج التجسس، والمستخدمة من قِبل المنظمات الإرهابية لأسلوب التضليل، ويعتمد الإرهابيون على توجيهها من أجل بث ونشر معلومات مغلوطة تؤدي لزعزعة الاستقرار في البلاد وتضليل عقول الشباب من أجل الانتفاع بمصالح شخصية؛ وهو ما عانينا منه السنوات الأخيرة وكَبد القوات المسلحة والشرطة جُهدًا مُضاعفًا من أجل وأد تلك الفتن ببيانات نفي سريعة ناجزة وشفافة.
وطالعنا قانون جرائم الإنترنت والذي طُرح على الساحة منذ عام ٢٠١٦، مُستندًا للعديد من المواد الخاصة التي تفرض العقوبة المُغلظة، واستبشرنا خيرًا باختصاص المحكمة الاقتصادية؛ كهيئة فصل مستقلة في تلك القضايا، لسرعة تفعيل القانون الناجز العادل؛ فقد أصبحنا في عصر انتشار تكنولوجيا المعلومات وفي المقابل أصبحنا أكثر عرضة للوقوع كضحايا للجرائم الإلكترونية، فانتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة يُعد سلاحًا ذا حدين، وضرره أكبر من نفعه، وكل ما نطمح إليه هو سرعة عقاب الفاعل ليكون عبرة لغيره، ولمن تسول له نفسه التغرير بالأعراض وتجريح الشرف وفضح الأسرار، وابتزاز بريء، فنحن في عصر حروب الجيل الرابع والخامس؛ حيث فعل الجريمة الإلكترونية أكثر إيلامًا وأذى من وابل الرصاص والبارود!!