أثناء النهضة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها مصر أوائل القرن العشرين، لم يكن يعرف لفظ "رجل أعمال" بل كان يطلق على كل من ساهم في تلك النهضة "الاقتصادي الوطني الكبير"، فكانوا إما رجال زراعة لأي من المحاصيل المهمة منها القطن، أو رجال صناعة.
استطاع عبود باشا وكان أول مصري عضوا في مجلس إدارة شركة قناة السويس العالمية، أن يرفع علم مصر على الموانئ الأمريكية حين افتتح أول خط ملاحي بين مصر وأمريكا 1948م، بباخرتين من أكبر البواخر.
مع قيام الحرب العالمية الثانية استشعر عبود القلق على الاستقرار السياسي في مصر، لذا برز دوره السياسي لحماية مصالحه الاقتصادية، فانضم إلى حزب الوفد باعتباره أكبر الأحزاب السياسية في تلك الفترة، وأصبح عضوًا بمجلس الشيوخ ونائبًا عن أرمنت في مجلس النواب عن حزب الوفد 1942م، ورشح نفسه مرة أخرى 1945م، وترشح أمامه أبوالمجد الناظر أحد أقطاب حزب الوفد ومن أبطال ثورة 1919م، فطلب النحاس باشا من الناظر التنازل لصالح عبود، فكان رده "شاورت نفسي وأهلي فأبوا" وفاز الناظر في الانتخابات وسقط عبود أغنى أغنياء مصر، مما يدل على مدى الوعي والنضج السياسي لدي المصريين في تلك الفترة!
بلغت قوة عبود باشا فأصبح بإمكانه إسقاط وزارات وتعيين أخرى، كان آخرها وزارة نجيب الهلالي وحسب ما قيل وقتها، إنها لم تأت على هواه، فعرف عن الهلالي صلابة الرأي وعزة النفس وعدائه للقصر.
وبلغت قوة نفوذه في إجبار طلعت باشا حرب على الاستقالة من رئاسة بنك مصر 1939م، حين تعرض البنك لأزمة مالية تسبب فيها الإنجليز، فاشترك عبود مع آخرين في سحب ودائعهم بمعدل نصف مليون جنيه يوميًا، فما كان من طلعت حرب إلا أن قدم استقالته حتى لا يهتز مركز البنك وترك إدارته إلى حافظ عفيفي.
كان عبود باشا من عشاق النادي الأهلي، واستمر في رئاسته 15 عامًا من 1946 -1961م، كانت من أزهى عصور النادي، حصل خلالها على تسع بطولات متتالية للدوري من 1947 -1956م، كان ينفق على النادي من جيبه الخاص رافضًا أي إعانة من الحكومة، واستطاع بنفوذه اقتطاع جزء من نادي الفروسية حتى يطل النادي على كورنيش النيل، فبنى حمام السباحة والملعب الرئيسي "مختار التتش" وهو صاحب فكرة الاستعانة بمدربين أجانب في كرة القدم.
خصص دورين بعمارته "الإيموبيليا" للاعبي الأهلي، وكانوا يلتقون به أسبوعيًا بمكتبه بها، وشقتين للمغتربين من لاعبي النادي، وتعيين بعض اللاعبين كموظفين بشركة البوستة الخديوية، ومقرها بالعمارة نفسها، وبعد التأميم تم الاستغناء عنهم.
وكان يشترط على كل من يسكن عمارته أن يكون أهلاويًا ما عدا الموسيقار محمد عبدالوهاب وأم كلثوم ومن أشهر من سكنها من فناني تلك الفترة محمد فوزي وزوجته مديحة يسري وليلي مراد وأنور وجدي وماجدة وأسمهان وزوجها أحمد سالم ونجيب الريحاني وعبدالعزيز محمود ومحمود المليجي وهنري بركات وكمال الشيخ ومكتب عبدالحليم حافظ.
هناك موقف شهير لعبود باشا عن مباراة الأهلي والمصري، إذ أبدى أمين شعير مدرب النادي انزعاجه لعدم استطاعة صالح سليم كابتن النادي المشاركة في المباراة المقامة في بورسعيد بسبب تأديته امتحانًا بكلية التجارة ينتهي في الواحدة ظهرًا، بينما تبدأ المباراة في الثالثة عصرًا ببورسعيد، عندما علم عبود أرسل سيارته لإحضار صالح سليم بعد الامتحان وتوجهت به على الفور إلى المطار؛ حيث كان عبود في انتظاره واصطحبه بطائرته الخاصة إلى بورسعيد للمشاركة في المباراة.
كان عبود باشا من طليعة مؤيدي ثورة 23 يوليو وبعد شهور قرر إنشاء مراكز تدريب عسكرية لتشكيل كتائب فدائية لمقاومة الاحتلال الإنجليزي ومنح مجلس إدارة النادي الشرفية للرئيس جمال عبدالناصر 1955م، وفي العام نفسه فرضت الحراسة على شركة السكر، وبعد تأميم قناة السويس أوقف عبود جميع الأنشطة الرياضية وفتح باب التطوع للعمل الفدائي.
ولكن قرارات التأميم 1961م أطاحت به من الحياة الاقتصادية والرياضية، ولم يكمل مدة رئاسته للنادي.
استشعر عبود بما ستفعله الدولة فتمكن من تهريب جزء من أمواله للخارج وأمر بواخره وهي في طريقها للإسكندرية بالتوجه إلى جدة وبيروت، وسافر إلى إنجلترا؛ حيث مارس نشاطه التجاري وحقق نجاحًا كتاجر ومستشار اقتصادي إلى أن توفي 1964م.
قد يعجب كثيرون بعبود باشا ويتحفظ آخرون، ولكن يتفق الجميع على عصاميته وذكائه وبراعته الفائقة وقدرته على القراءة الواعية لمعطيات الواقع والتعامل مع المتغيرات.
قال عنه إحسان عبدالقدوس: كان بمثابة القدوة والمثل الأعلى عند من يريد اقتحام عالم المال والأعمال، فهو قائد النهضة الاقتصادية ورائد عملية التمصير التي تمثل مطلبًا وطنيًا لمواجهة احتكار النفوذ الأجنبي، إنه ابن باب الشعرية في مصر المحروسة.