Close ad

الإنفاق العسكري يشهد أكبر ارتفاع له منذ 2009.. سوق السلاح يتحدى «كورونا»

30-1-2022 | 17:23
الإنفاق العسكري يشهد أكبر ارتفاع له منذ  سوق السلاح يتحدى ;كورونا;أسلحة- صورة أرشيفية
إيمان عمر الفاروق
الأهرام العربي نقلاً عن

حجم الإنفاق العسكرى بلغ  2 تريليون دولار فى عام 2020 فى وقت كان فيه العالم بحاجة إلى مزيد من الدعم الصحى لمواجهة فيروس كورونا

موضوعات مقترحة

الوباء العالمى حفز النعرات القومية ودفع بعض الدول إلى زيادة إنفاقها على التسليح

مايكل جوهانسون رئيس شركة «ساب»: بعض الدول تتعمد  توظيف خطط التعافى لديها لدعم قدراتها العسكرية

حلف شمال الأطلنطى: لا ينبغي أن يقود وباء كورونا إلى إجهاض الطموحات العسكرية

خلافا لكل التوقعات التى كانت تشير إلى أنه مع انتشار وباء كورونا، سوف تتباطأ عجلة إنفاق العالم على التسليح، بسبب حالة الركود والكساد ورائحة الموت، التى ليست بحاجة إلى مزيد من الأسلحة، لكن ما حدث العكس تماما، حيث زادت معدلات الإنفاق العسكرى عالميا، لتسجل 2 تريليون دولار، فى العام 2020، ذروة انتشار وتحور وباء كورونا، وذلك طبقا لأحدث التقارير الصادرة عن معهد «استوكهولم».

أرقام الإنفاق العسكرى، فضحت نفاق العالم دون أدنى مواربة، إنها ببساطة مقايضة الموت بالحياة؛ مقابل كل حفنة دولارات لتطوير الغواصات وحاملات الطائرات، كانت هناك حفنة أرواح تزهق بحثا عن ذرة أكسجين بأسطوانة غير متوافرة، أو استجداء لغرفة بالرعاية المشددة، لكنها تعانى عجزا مروعا، لأن فوهات المدافع ابتلعت قوت الخير ودكت حصون الرعاية الصحية، وللأسف فإن تلك المعدلات مرشحة للتصاعد، بحجة أن الوباء حفز النزعات القومية، إنها محاولة لتبرير جريمة القتل بدافع حماية الأرواح.

مفارقة رقمية أخرى تتعلق بخسائر المناخ تفضح حماقة العالم، ولأن هناك نقاط تماس بين الدوائر الثلاث، التسليح والتغيرات المناخية والأوبئة، حيث تقود الأولى إلى الثانية، والثانية بدورها إلى الأخيرة، لنجد أنفسنا ندور فى دائرة مغلقة، برغم أن حل الأزمات المناخية لن يكلف العالم أكثر من 100 مليار دولار مقارنة بالخسائر التى يتكبدها، التى بلغت 170 مليار دولار العام الماضى.
«أسواق السلاح أخرجت لسانها للوباء بكل فجاجة»، كانت تلك خلاصة أحدث التقارير الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام” حيث بلغ الإنفاق العسكرى العالمى 1980 مليار دولار فى عام 2020، فى زيادة بنسبة 2.5% عن عام 2019.

بحسب البيانات الواردة التى نشرها المعهد فى ربيع العام الماضى، حلت الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، الهند، روسيا والمملكة المتحدة فى قائمة لأكبر خمسة منفقين فى عام 2020، والذين شكلوا معا نحو 62 % من الإنفاق العسكرى العالمى، وهذا هو أكبر ارتفاع سنوى، فى عبء الإنفاق العسكرى على التسليح منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009.
ويرى بعض الخبراء، أن الزيادات الأخيرة فى الإنفاق العسكرى الأمريكى، يمكن أن تعزى إلى الاستثمار الهائل فى البحث والتطوير فى مشاريع عدة طويلة المدى، مثل تحديث الترسانة النووية الأمريكية وشراء الأسلحة.

ما يستوقفنا هنا هو التصريح الخطير للدكتور دييجو لوبيز دا سيلفا ـ الباحث فى برنامج الإنفاق العسكرى بمعهد ستوكهولم ـ الذى جاء به ما نصه: “يمكننا أن نقول بشيء من اليقين، إن الوباء لم يكن له تأثير جوهرى على الإنفاق العسكرى العالمى فى عام 2020، ويبقى السؤال هو هل سيتم تكريس مثل هذا النمط من للعام الثانى على التوالى من الوباء؟”.


هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا الآن، وللأسف فإن كل المؤشرات والتصريحات والدراسات، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الإجابة “نعم” بل وغالبا ما ستتمادى وتبالغ الدول فى تهورها العسكري.

الصعود الدامى
الكارثة أن تلك المعدلات مرشحة للزيادة، هذا ما أكده بل ودعا إليه رئيس شركة “ساب” لصناعة الطائرات ومعدات الدفاع بالسويد، مبررا تلك المفارقة بمفارقة أخرى، ألا وهى الرغبة فى حماية المجتمعات!
ففى تقرير كاشف لنوايا شركات صناعة الأسلحة بصحيفة الـ” فاينانشيال تايمز” البريطانية، أوردت الصحيفة تصريحات صادمة لمايكل جوهانسون رئيس شركة “ساب”- وهى شركة صناعة طائرات ومعدات دفاع مقرها السويد- مفادها أن الإنفاق العالمى العسكرى مرشح للزيادة فى ظل غياب أية مؤشرات لتراجع نشاط أسواق السلاح أو الطلب، والأدهى أنه يتوقع أن تعمد بعض الدول إلى توظيف خطط التعافى لديها، لإنعاش ودعم قدراتها العسكرية؛ ذلك أن الوباء العالمى حفز النعرات القومية وأخرجها من القمقم، ومن ثم سارعت الدول لزيادة معدلات الإنفاق العسكرى.
الجدير بالذكر أن حلف شمال الأطلنطى “ناتو” أعلنها صراحة، بأن وباء كورونا لا ينبغى أن يقود إلى تجفيف منابع الإنفاق الدفاعى أو إجهاض الطموحات العسكرية، بل على النقيض تماما، فإن حكومات الدول الأعضاء فى الحلف مطالبة بالتمسك بأهدافها لمواجهة الأخطار والتهديدات التى تحدق بها، برغم ضغط الميزانيات العامة جراء تداعيات وباء كورونا عالميا، ولكن لابد من توافر الإرادة السياسية لدى الدول الأعضاء لمواصلة الإنفاق والاستثمار فى الصناعات العسكرية، برغم ما يفرضه ذلك من تحديات سياسية واقتصادية فى مرحلة زمنية وبيئية تتسم بالندرة، هذا ما عبر عنه وأكده المحامى النرويجى كريستيان تايبرينج وغيره من المشرعين بحلف الـ”ناتو” فى تصريحات، تم نشرها بالموقع الرسمي” للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلنطي” فى أكتوبر الماضى، وقد أسهب بالطبع فى استعراض سلسلة من التهديدات، التى تحيق بالحلف لتبرير هذا المنحى التصاعدي.

تدوير الأموال
مجلة “ناتشير” وضعت يدها على موطن الداء مبكرا، وكانت سباقة لوصف روشتة العلاج، بإعادة توجيه مخصصات التسليح عالميا لمواجهة الأوبئة والتغيرات المناخية، فى عملية أقرب ما تكون لأنشطة إعادة التدوير حفاظا على البيئة، وتحقيقا لأغراض التنمية المستدامة، فلما لا يتم إعادة تدوير المخصصات المالية العسكرية لمواجهة الأوبئة وكوارث المناخ؟


على الرغم من التهديدات التى يتعرض لها الوجود البشرى من تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجى والوباء، الذى يدمر الاقتصاديات ويشل المجتمعات، لا تزال البلدان تنفق بتهور على الأسلحة المدمرة للحروب التى لن تخوضها أبدًا. يجب على الدول إعطاء الأولوية لـ “الأمن البشرى من أجل الصالح العام” وهذا يعنى ضمان أن يتمكن الناس من العيش فى بيئات صحية، وخالية من الخوف من العنف والتهديدات المميتة الملحة، مثل تغير المناخ أو الأوبئة مثل هذا الحديث ليس بجديد. فقد تمت مناقشة إنفاق ميزانيات الأمن على التأهب للأوبئة، بعد تفشى فيروس زيكا وسارس، والآن فإن فيروس كورونا، يجدد تلك المطالب ويجعلها أكثر إلحاحا.

مؤشر السلام

من الواضح أن النظام العالمى الجديد يحكمه ذات الفكر القديم القائم على بناء الترسانات النووية لحماية أمن الدول، لكنه لا يوفر ما يحتاجه الناس؛ وفقًا لمؤشر السلام العالمى انخفضت مستويات السلام بنسبة 2.5% منذ عام 2008. ويقيس المؤشر 23 عنصرا - بما فى ذلك الإنفاق العسكرى، وسهولة الوصول إلى الأسلحة الصغيرة - فى 163 دولة وإقليمًا مستقلًا. يأتى الانخفاض فى مستويات السلام، على الرغم من زيادة الإنفاق العسكرى على مستوى العالم، إلى مستوى قياسى بلغ 1.9 تريليون دولار أمريكى فى عام 2019.


ويجب أن تمثل اللحظة الراهنة نقطة تحول بالنسبة لميزانيات الأمن القومي، حيث يتعين على الحكومات أن تقبل أن مفهومها للأمن القومى الذى يدعمه مجمع صناعى عسكرى عفا عليه الزمن وغير ذى صلة بالنظر إلى تكلفة التعافى من الوباء، التى تشير التقديرات بشأن خسائره المحتملة للاقتصاد العالمى، أنها قد تتراوح ما بين 3.3 تريليون دولار فى حالة التعافى السريع، أو 82 تريليون دولار فى حال حدوث سيناريو الكساد العالمى. ومن ثم يجب على دول العالم تركيز إنفاقهم على حزم التحفيز لإزالة الكربون، ودعم الرعاية الصحية والتعليم والبيئة. ويجب استثمار ميزانيات الدفاع عن الأمن القومى، لتحقيق أغراض التنمية المستدامة.

ثمن الصراع

تجارة السلاح ذات عائد يسيل له لعاب الشركات، لكن الثمن إنسانيا تسيل أمامه دموع ودماء أغلى بكثير. فقد بلغت مبيعات الشركات العالمية المنتجة للأسلحة 420 مليار دولار فى عام 2018. وبمقارنة منطقية تم رصد أرقام مفزعة فى المقابل، حيث توفى حوالى 464 ألف شخص فى عام 2017 من خلال جرائم القتل، ولقى نحو 89 ألف فرد حتفهم، فى النزاعات المسلحة على مستوى العالم فى عام 2017.


تسببت هذه الأضرار فى خسارة ما يقرب من 11% من النشاط الاقتصادى العالمى فى عام 2019، أو ما يقرب من 2000 دولار للفرد، بإجمالى 14.5 تريليون دولار. وتشمل قائمة الخسائر فقدان الوظائف، وانخفاض الإنتاجية وجميع نفقات إنفاذ القانون، وأنظمة العدالة والسجن، وارتفاع نسبة جرائم القتل، وجرائم العنف الأخرى، ونفقات الأمن الداخلى، والخوف من انعدام الأمن فى جميع أنحاء المجتمع.


وعندما يكون هناك انعدام للأمن، لا يمكن للاقتصاديات أن تزدهر، حيث تعانى الدول الأقل نمواً ذات المستويات المرتفعة من العنف أكثر من غيرها، مثل السلفادور والصومال البلدان التى تعانى من نزاعات مسلحة. وفى النهاية يظل الإنفاق العسكرى مسئولا عن 40.5 % من الأثر الاقتصادى للعنف.


وبرغم ذلك هناك شبه إصرار عالمى على تجاهل الأمر، ففى العام الماضى قامت 81 دولة بزيادة النسبة المئوية من ناتجها المحلى الإجمالى، الذى يخصص للميزانيات العسكرية.


ولا يمكن للعالم ببساطة أن يتحمل مثل هذه الخسائر، خصوصا أننا نتعافى من جائحة كلفت العالم الكثير، وتسببت فى معاناة لا توصف لملايين على مستوى العالم. فى الواقع، فإن ثمن ضمان الأمن البشرى أقل بكثير من الميزانيات العسكرية، حيث سيكلف 1 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى سنويًا لتنفيذ اتفاقية باريس للمناخ على سبيل المثال.


العدو الحقيقى اليوم، هو موجات الحر والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات والأعاصير التى تضاعفت أربع مرات على مدى العقود الأربعة الماضية، وهى آخذة فى الازدياد. بحلول عام 2050، قد يضطر ما يقرب من 100 مليون شخص إلى الهجرة من المناطق الساحلية، وغيرها من الأماكن التى ستصبح غير صالحة للسكن نتيجة لتغير المناخ.


كل الدلائل والمؤشرات، تؤكد ألا صوت يعلو فوق لعلعة الرصاص فى المرحلة المقبلة، مهما كانت الأزمات التى يواجهها العالم صحية أو اقتصادية أو مناخية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: