ضجة عارمة أثارها فيلم "أصحاب ولا أعز" المعروض علي منصة نتفلكس بسبب جرأة موضوعه وطريقة تناولها، لم أشاهد الفيلم للأسف ولم أقف عنده كثيرًا لكن توقفت عند طوفان التأييد المطلق أو الشجب الناري على صعيد آخر، وكأن فيلمًا واحدًا بيديه رفع قيم الحرية، أو هدم قيم المجتمع (كما يزعم الطرفان)؟!!
- بداية هل يحمل الفيلم قضية معينة غير عرض مكنون النفوس وأسرار القلوب والتصرفات ورعب كل إنسان من انكشاف ستر أفعاله، وهذه في حد ذاتها فكرة قيمة إذا ما تم تقديمها بشكل واع وبإمكانيات فنية مناسبة.
بالنسبة لفكرة القيمة والهدف والأخلاق أو القيم التي تهددها الأفلام كما ينادي البعض دعونا نرى سويًا سنوات من انهيار قيم وعادات وتقاليد وأخلاق تقدمها أفلام ومسلسلات البلطجية الذين تفرد لأخلاقهم المؤسسات الفنية لدينا ساعات مشاهدات طويلة على قنوات عامة وفي أكثر الشهور مشاهدة، وتنفق على هذا التدمير الواعي المنظم المدعوم (مليارات الجنيهات) والله أعلم من وراء ذلك، بالفعل بعدها وجدنا نماذج لعبده موته، والبرنس، وآخر ديك في مصر، والديزل، وقلب الأسد تغزو حياتنا وترسم خريطة سلوك طبقاتنا الأبسط.
وأصبحت المطاوي والسيوف هي لغة التفاهم في أنحاء عديدة في المجتمع، كما أراد صناع التخريب المنظم لنا منذ سنوات اختفى فيها الإنتاج المحترم لقطاع الإنتاج وبعده مدينة الإنتاج الإعلامي فأصبح الإنتاج الدرامي والسينمائي المصري نادرًا ما يقدم عملًا ذا قيمة اجتماعية أو حتى فنية أو يرفع الذوق العام الذي تدنى كثيرًا للأسف لأسباب عديدة ومنذ سنوات طويلة قد تكون المتعة هي الهدف الأسمى للفنون: متعة العين، متعة المشاعر، متعة العقل، متعة التعبير وأخيرًا متعة الإرادة وتغيير الواقع، إذا ما اجتمعت هذه الأهداف أو أحدها في عمل فني مصنوع بحرفية ومهارة تجعلنا نقدم قضايانا وننافس بأعمال فنية عالية المستوى سواء في القنوات العامة أو المنصات الخاصة التي تعرض أقوى الأعمال الفنية للعالم كله.
وللأسف لا تحمل تلك الأعمال قيمة فنية عالية فقط وحرفية، لكن أيضًا لمعظمهم أهداف سياسية وأيديولوجية خطيرة مثلا إذا رصدنا كم فيلم مهم ومؤثر ومقدم بإنتاج ضخم وحرفية عالية وقصص إنسانية مؤثرة وخاطفة تعرض مآسي القتل الجماعي لليهود على أيدي الألمان مثلًا ومعاناتهم إزاء الحروب والمجازر النازية ضدهم ستجد كل من يشاهد يتعاطف بشدة مع كل اليهود، بغض النظر عن ممارستهم بعد ذلك لأفظع من تلك الجرائم مع الفلسطينيين بحجة أن لديهم حقوق في أراضيهم وحتى في بيوتهم ومساجدهم.
- إتقان وقوة الفكرة التي مررها أصحاب تلك الأفلام تجعلنا نتساءل الآن: لماذا لم يستغل العرب جرائم اليهود في مصر وفلسطين وسوريا وتقديم ذلك في أفلام تصل لقلوب العالم أيضًا، ويتعاطف معها وتخدم مصالحنا السياسية والوطنية والقومية وبنفس التقنيات السينمائية أو الوثائقية العالية؟
لماذا لا نستغل ما حدث مع أسرى 56 و67، لماذا لا نستغل ما فعل الاحتلال الإنجليزي بمصر وغيرها من الدول العربية، وكذلك الاحتلال الفرنسي والعثماني؟ لماذا لا نقدم قضايانا الحقيقية بوعي وإنسانية وفن ورقي بدلًا من إعلان الحرب على فيلم لن يقدم ولن يؤخر، بالعكس قد يفتح الجدل والنقاش حول حقيقة مجتمعاتنا التي قد يهدم قيمها وأخلاقها مشهد خارج بفيلم على منصة خاصة لنرى بوعي أصدق أين نحن وماذا نحتاج؟
- لماذا رغم إمكانياتنا الضخمة من المواهب ومن النقود اللازمة للإنتاج المتميز في الوطن العربي كله لا نزال مستهلكين لما يقدم لنا من فنون وأفكار وعادات وإنتاج دون معادلة ذلك بإنتاج آخر يحمل الخير لنا ويقدم فنوننا وقضايانا بما يليق بنا؟
- المتابع لنتفلكس قد يتفاجأ بما يتم تقديمه من أفلام مهمة عن قضايا إنسانية تنتجها الهند التي كنا في بعض الأوقات نتعالى عن إنتاجها ونراه مجرد (فيلم هندي) أي أكشن مبالغ فيه عن قصة وهمية مضحكة، اليوم لا!!
- عشرات المسلسلات والأفلام الهندية والأمريكية والبرازيلية والإنجليزية والفرنسية تقدم أعمالًا تحمل قصص وقضايا في منتهى الرقي والإنسانية، بتقنيات ومواهب رائعة سواء في الكتابة أو التمثيل أو الإخراج والإنتاج، أين العالم العربي والفن المصري من ذلك؟
إذا نظرنا للقضايا الإنسانية وقضايا المرأة المصنوعة برقي وحرفية ومقدمة كسفراء لثقافة ووعي وفنون صناعها نبكي على عقول لدينا اختصرت إنتاجها على البلطجة والسوقية أو التدني التقني أو الإنساني لنقدم بعد ذلك فنًا رخيصًا ونتهم الآخرين بتدمير المجتمع.