البداية كانت من حمام شعبي يمتلكه والده في حي باب الشعرية.. ثم الصعود إلى قمة النجاح والثراء ليكون واحدًا من أعلام الاقتصاد المصري، ورائد حركة التمصير بعد امتلاكه شركة البوستة الخديوية أقوى شركات الملاحة في مصر، لعب دورًا في السياسة المصرية، وتصدر المشهد الرياضي على مدى 15 عامًا؛ هي مدة رئاسته للنادي الأهلي، حصل خلالها النادي على تسع بطولات متتالية.
أحمد عبود باشا الرجل العصامي الذي بدأ من تحت الصفر ولد 1889م بحي باب الشعرية، بعد حصوله على البكالوريا عمل بحمام والده ليحقق حلمه في الالتحاق بمدرسة المهندسخانة التي تخرج فيها.
انتقل المهندس الشاب إلى "أرمنت" إحدى مدن محافظة قنا في ذاك الوقت ليعمل في وابورات تفتيش الكونت الفرنسي "فونتارس" براتب خمس جنيهات شهريًا، ولكن هذا المبلغ لم يرض طموحه، فسافر إلى فلسطين ليعمل مع أحد مقاولي الطرق والكباري والذي كان يتعامل مع الجيش الإنجليزي، مما جعل عبود قريبًا من قيادات إنجليزية فوطد علاقته معهم، وصلت لحد الصداقة، حتى إنه تعرف على مدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزي، ونشأت قصة حب مع ابنته انتهت بالزواج الذي أسفر عن إنجابه ابنته الوحيدة، ومن هنا كانت نقطة التحول المهمة في حياة أحمد عبود.
حظي عبود بخدمات عديدة من والد زوجته بعد أن ترك العمل لدى المقاول، واستقل بذاته، فأسند إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين والإسماعيلية وبورسعيد وسيناء، فتكون لديه رأس المال الذي استطاع به شراء معظم أسهم شركة "نيو كرافت" للنقل بالسيارات بالقاهرة ثم شراء شركة البوستة الخديوية (البواخر)، والتي كان يمتلكها الإنجليز وتعد أكبر شركات الملاحة في مصر حتى ظهر اسمه في مؤخرة قائمة أغنياء مصر 1935م.
مرة أخرى يلعب الحظ دوره في مسيرة أحمد عبود، إذ ارتفعت أسعار النقل بشكل خيالي نتيجة للحرب العالمية الثانية، فاستطاع عبود تحقيق ثروة هائلة من أرباح أسطول السفن الذي يملكه، فاشترى معظم أسهم شركة السكر، وكان يملكها رجل أعمال بلجيكي، وعندما مات تولى إدارتها ابنه؛ لكنه مات هو الآخر في إحدى معارك الجيش الإنجليزي، فانفرد عبود بإدارة الشركة حتى تأميمها، واشترى أيضًا تفتيش الوابورات بأرمنت التي عمل به في بداية حياته بعد هجرة صاحبها الفرنسي، وكان التفتيش يتكون من 6 آلاف فدان وقصر كبير كان أحد قصور الخديو إسماعيل، وأطلق عليه "سراي عبود" ويضم التفتيش أيضًا عددًا من المنشآت والمنازل والمخازن والحظائر تقدر بمبلغ 60 ألف جنيه.
تشعبت أنشطة أحمد عبود لتشمل 20 مصنعًا للأسمدة والبترول والتأمين والصناعات الكيماوية والفنادق والسياحة، وتنامت ملكيته الزراعية وتزايد نشاطه في تجارة القطن والمحاصيل الأخرى، قال عن نفسه: إنه يلمس التراب فيحيله ذهبًا!!
من أشهر ممتلكاته التي لا زالت حتى الآن عمارة "الإيموبيليا" الشهيرة بشارع شريف التي بناها 1939م وكانت أكبر وأعلى عمارة في القاهرة، وكانت حديث الناس وقتها لارتفاعها الشاهق "13" دورًا!! سكنها معظم الفنانين وصفوة المجتمع.
كان عبود باشا يمتلك معظم أسهم شركة الفنادق المصرية، بالإضافة إلى شركات الأسمدة في عتاقة والكراكات المصرية وغيرها من شركات الصناعات الكيماوية والتقطير والغزل والنسيج التي أنشأها أواخر أربعينات القرن العشرين.
وفى العام نفسه حصل أحمد عبود على الباشوية، وقدرت ثروته في الثلاثينيات بأكثر من 10 ملايين جنيه مصري حوالي 30 مليون دولار!
وفي مقال صحفي كتبه تحت عنوان "كيف تصبح مليونيرًا" قدم فيه نصائحه وخلاصة تجربته، اخترت بضع منها حيث قال: "ليس النجاح من الأسرار، لكنه أولًا وقبل كل شيء توفيق من الله، فقد تجتمع في شخص كل مؤهلات النجاح من شهادات وجاه وشخصية قوية، لكن سوء الحظ يلازمه فلا ينجح في أي عمل يقوم به، بينما ينجح من هو أقل في الكفاءة والجاه، وأضعف منه شخصية".
أما دوره في السياسة والنادي الأهلي وحرب 1956م، فللحديث بقية.