في ظلمة الليل يخلو كل حبيب بحبيبه .. وقيام الليل يضيء الوجوه، وقوام الليل يتوجهون بقلوبهم إلى الله بارئهم ومحييهم ومميتهم ورازقهم ومطعمهم وساقيهم وشافيهم، فيشكون إلى الله أحوالهم وضعفهم، ويسألونه من فضله وكرمه ورحمته، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
تعريف قيام الليل
وجاء في تعريف قيام الليل أنه عبارة عن قضاء معظم الليل أو جزءٍ منه - ولو ساعةً - في عبادة الله بالصلاة وتلاوة القرآن الكريم وذكر الله، كما يطلق لفظ القيام ويراد به العبادة عمومًا بجميع أشكالها وأنواعها، وخصوصًا صلاة الليل.
ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن قيام الليل أن الله سبحانه وتعالى يبسط يده بالليل والنهار ليتوب المسيئون والعاصون، كما أنه – صلى الله عليه وسلم - قد أرشدنا إلى أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ليغفر للمستغفرين ويستجيب الدعاء ويقبل التوبة ويعطي السائلين، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»، وقال تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ).
الدعاء مستجاب في الثلث الأخير من الليل
ثبت في السنة الصحيحة، عن قيام الليل أن الدعاء مستجاب في الثلث الأخير من الليل، كما روى البخاري ومسلم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» ويؤكد هذا الحديث أن الله تعالى ينزل نزولًا يليق بجلاله وعظمته في الثلث الأخير من الليل، ولا يسأل ملائكته عن عباده وإنما يتفقد أحوالهم عز وجل، ثم يستجيب لمن يدعونه في هذه الساعة.
كما ورد في جامع الترمذي، عن قيام الليل أن النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ».