بقلم : مصطفى السعيد
من السهل ملاحظة أن إسرائيل تشعر بمخاطر وتحديات كبيرة عند مطالعة التقرير الإستراتيجي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لعام 2022، وإذا كانت إيران قد احتلت المركز الأول في المخاطر كالمعتاد، خاصة مع تسريع برنامجها النووي، إلا أن التقرير يشير أيضا إلى خطورة تنامي التهديدات في محيط إسرائيل من منظمات مسلحة قادرة على شن هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ، كما أصبحت الضفة الغربية وفلسطينيو 1948 مصدر تهديد متزايد، ولهذا نجد تحذيرا واضحا من الانزلاق السريع في مشروع الدولة الواحدة، لأنه سيضع الكيان أمام تحديات خطيرة، تتمثل في مزيد من التصدع والصراع الذي ستعاني، والذي تجلى أثناء حرب غزة الأخيرة، والتي شهدت مظاهرات وصدامات إمتدت من الضفة الأرضية إلى الفلسطينيين في الداخل، ولم تقتصر على قطاع غزة.
كما يتضح أن الموقف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني والمفاوضات الجارية بشانه شديد الإرتباك، فقد كانت إسرائيل ترفض تماما إجراء أي مفاوضات حول الملف النووي، لكنها أصبحت أمام أمر واقع، ولم يعالج التقرير الإستراتيجي هذه المعضلة، فهو يأمل في أن تنتهي المفاوضات باتفاق يراعي مصالح وأمن إسرائيل، والذي كانت ترغب أن يشمل تقييد التسلح الإيراني، وتغيير سياسات إيران، ووقف دعمها للتنظيمات المسلحة المعادية لإسرائبل، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، لكن المفاوضات بدأت وتقترب من خواتيمها دون أن تشمل تلك النقاط، وتقتصر فقط على ضمانات عدم امتلك إيران لسلاح نووي، لهذا سنصح التقرير بالاستعداد لنتائج الاتفاق النووي، وأن تكون إسرائيل قادرة على توجيه ضربة عسكرية لإيران، لكنه يعود فيقول إنه من الصعب توجيه تلك الضربة دون مشاركة الولايات المتحدة، وإذا كانت واشنطن تستبعد أي حل عسكري، فكيف يمكن أن تشارك في حالة التوقيع على العودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات؟ وتعتقد إسرائيل أن الخطر الإيراني سيظل قائما سواء جرى إحياء الاتفاق النووي أو انهارت المفاوضات، ففي حالة إحياء الاتفاق النووي ستكون إيران أكثر قوة، وتستعيد أموالها المجمدة، وتصدر المزيد من النفط والغاز، بما يمكنها من تطوير قدراتها العسكرية، ونفوذها السياسي، ودعم حلفائها، أما إذا انهار الاتفاق فإنها ستمضي بسرعة لامتلاك سلاح نووي سيغير موازين القوى والمعادلات في المنطقة، باكتلاكها أداة ردع شديدة الخطورة، ولهذا لا توافق إسرائيل على كلا الوضعين، لكنها لا تمتلك رؤية لطريق ثالث، يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ويواصل الحصار والعقوبات، لهذا لم تتمكن من إقناع الولايات المتحدة أو أوروبا بإغلاق الملف النووي الإيراني، وبقيت مخاوفها موجودة، بل تتزايد، وأهم ما يشير إليه التقرير في المخاوف المستجدة فهو انشغال الولايات المتحدة بمشاكلها الداخلية وصراعها مع الصين وروسيا، مما ينعكس على تراجع اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، لهذا ينصح التقرير بتكثيف جهود إقناع الولايات المتحدة بأهمية دور ومكانة إسرائيل، وأن يشمل هذا الجهد الجزبين الجمهوري والديمقراطي.
ويشير التقرير بقلق إلى تطور التعليم عن بعد، بما يمكن خصوم إسرائيل من الحصول على المعارف التي تنمي قدراتهم، ولهذا ينصح التقرير بأهمية تطوير القدرات العلمية، وأن تحافظ على السبق والتفوق، وأن تعطي اهتماما كبيرا بالتكنولوجيا الجديدة، خاصة في الحروب السيبرانية والمعلوماتية.
ولا ترى إسرائيل ضوءا في نفق القلق إلا في انضمام المزيد من الدول إلى الاتفاقية الإبراهيمية، وأن يقبل الفلسطينيون بمعادلة الاقتصاد مقابل الأمن، وأن يتوحد الإسرائيليون وينهوا حالة النزاع والتشظي السياسي المزمنة، وأن تستمر الولايات المتحدة في دعمها اللا محدود لإسرائيل، ومع أن هذه الأمنيات ليست سهلة التحقق جميعها، فإنها لن تكفي لتشعر إسرائيل بالأمان.