أصبح الجميع يتهرب من كلمات العزاء والمواساة، فالمصاب الأليم دخل كل بيت وليس خافيًا أننا نعيش عصر وباء وابتلاء، ليظل الموت هو المعلم الأول، ويقول سبحانه وتعالي في سورة فاطر "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ".. وقال العرب في حكمهم فعش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزىٌّ به، ومن لم يتعظ بتخطف الموت من حوله فلا واعظ له..
هكذا كان رحيل الكاتب الصحفي ياسر رزق درس في الحياة قبل الموت في الأثر الذي يتركه الانسان، فهو رئيس مجلس إدارة دار أخبار اليوم السابق الذي ترك بصمة قوية أحيتها وأعادت عصرها الذهبي وجمع كتاب الرأي والمقالات من كل صوب واتجاه وخرجت عناوينه تتناقلها الوكالات في انفرادات في وقت عصيب على الوطن، وعندما تولى أيضًا عضوية نقابة الصحفيين كان عونًا للكثيرين ومدينة الصحفيين السكنية بالتجمع نتاج جهده بشراكة مع الأستاذ طه عبدالعليم مدير عام مؤسسة الأهرام الأسبق، وعندما تولى رئاسة تحرير جريدة المصري اليوم في عصرها الذهبي انفرد لها بالحوار الوحيد مع الفريق أول وقتها عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والمرشح لرئاسة الجمهورية عام ٢٠١٣، وما أحدثه وقتها من دوي كشف كواليس لقاءات قيادات الإخوان والتهديدات التي طالت رموز الدولة ولماذا وقف الجيش مع الشعب مرة أخرى في ٣٠ يونيو.. وظل ياسر رزق الكاتب والإنسان يحظى بثقة الرئيس ضمن دائرة صغيرة جدًا بفضل مهنيته وشجاعته وإبداع قلمه.
هو دفعة ٨٦ إعلام القاهرة؛ وهي دفعة استثنائية جمعت رموزًا من مختلف التيارات الفكرية والتحريرية، منهم عمرو أديب وعماد الدين حسين ومحمد علي خير ويسري فودة ومجدي الجلاد، وجميلة إسماعيل، فلم يذكروه في حياته ولا عقب رحيله إلا بكل ما تمتع به من مهنية وقيم تعبر عن أصالة ابن مدن القنال سليل المحارب بالسيف وهو من اختار أن يكون المحارب بالقلم في حرب الوطن ضد طيور الظلام..
هو كذلك من أهم الأسماء التي سبقتنا في الإعلام العسكري فحفر اسمه في سجل الخالدين، وظل ذكره كفيلًا بالثناء علي رجل غزير المعلومات متشعب العلاقات يحظى بثقة القادة والقيادات الوسيطة، يميزه أدبه الجم فلا يذكر عنه تجاوزه بالقول أو الفعل في حق شخص أو جهة مهما اختلف معه..
علي المستوى الإنساني فقدنا نموذجًا للأخ الفاضل، أتذكر زيارته معزيًا في زوجي الحبيب، فإذا به يحكي عن مروره بامتحان الإصابة بسرطان الرئة تأخر في التشخيص حتي سافر لفرنسا وتم علاجه وعاد ليودعنا بكتاب "سنوات الخماسين من يناير الغضب حتي يونيو الخلاص"، يسجل فيه شهادته للتاريخ ولجيل نخشى ألا يعلم ما مررنا به، وإن لم يفصح عن كل ما يعرفه، فمثله من كان شاهدًا على كواليس الغرف المغلقة وصناعة قرارات غيرت تاريخ الأمة..
لذلك ليس غريبًا أن يتهافت الجميع على نعيه، والدعاء للأم المكلومة ولزوجته المحبة الكاتبة أماني ضرغام، التي أشفق على قلبها الجميل وهي التي نشرت بالأمس صورتهم معًا عند الصفا والمروة بملابس الإحرام تدعو الله العودة، فعاد محلقًا وحده إلى بارئه مستبشرًا بدعائها، فاللهم ارحمه واغفر له وأدخله فسيح جناتك، وارزقنا حسن الخاتمة وطيب الأثر ودعاءً صادقًا من الأحباب باللقاء في الآخرة بلا أوجاع ولا أسقام ولا أحزان.