العالم يهدر 40% من الأغذية المعدة للاستهلاك البشرى.. وتغيير ثقافة الاستهلاك لم تعد رفاهية
موضوعات مقترحة
فى الدول منخفضة الدخل، يُفقد أغلب الطعام قبل أن يصل إلى الأسواق، وذلك بسبب مشكلات متعلقة بتعليم وتدريب المزارعين والمنتجين فى هذه الدول، لكن إذا تم تعليمهم تلك التقنيات التى تحفظ الطعام من الإهدار، فستقل تلك الخسارة إلى حد كبير.
فى الدول مرتفعة أو متوسطة الدخل، يحدث الهدر فى الأسواق والمنازل، أى فى نهاية سلسلة الإمداد، ذلك يعنى أن القرارات الفردية للأشخاص فى تلك الدول، تشكل عنصراً أساسياً فى منظومة السيطرة على الطعام المهدر، وذلك باحتساب حجم وكميات المشتريات من خلال قرارات واعية من شأنها التأثير على نطاق أوسع.
يواجه العالم خطراً متزايداً وكابوساً يسعى الجميع جاهدون للاستفاقة منه، لكن دون جدوى، إنه شبح الجوع الذى يتفاقم ويهدد بكارثة حقيقية مع فقدان السيطرة على انتشاره وتضاعف أعداد الجوعى، خصوصا فى الدول الفقيرة والنامية.
الأرقام حقاً مخيفة فعُشر سكان العالم تقريبًا - أى ما يصل إلى 811 مليون شخص، عانوا من نقص التغذية العام خلال 2020، مقارنة بنحو 8.4 % من إجمالى سكان العالم فى 2019.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف الذين يعانون من نقص التغذية (418 مليون شخص) يعيشون فى آسيا، وأكثر من الثلث (282 مليون شخص) يعيشون فى إفريقيا، فيما تعيش نسبة أصغر (60 مليون شخص) فى أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
إستراتيجيات زيادة الجوع!
القضاء على الجوع هدف وضعته الأمم المتحدة على مدار عشرات السنوات، وحددت من أجله إستراتيجيات دولية، إلا أن تلك الإستراتيجيات لم تستطع تحقيق المراد منها، لتضطر الأمم المتحدة لتأجيل هدفها للقضاء على الجوع مراراً، وآخرها هدفها المقبل فى 2030.
ومع التقارير والدراسات الحديثة تشير التوقعات إلى أن الهدف مستحيل تقريباً مع تفاقم حدة الأزمة أكثر وأكثر، بحيث يصبح القضاء على الجوع فى 2030 ضرباً من الخيال.
ولانتشار معدلات الجوع عدة أسباب، أبرزها النزاعات المسلحة والحروب والتغيرات المناخية التى أثرت على المحاصيل، لكن السبب الخفى والأكثر تأثيراً هو حجم إهدار الطعام.
وتتراوح نسبة الأغذية المعدَّة للاستهلاك البشرى، التى يجرى التخلص منها دون أن تؤكل، بين 30 % و40 % عالميًّا، ويبلغ الهدر فى الأسماك والمأكولات البحرية 35 % والحبوب 30 % والبقوليات والمكسرات 20 % ومثلها فى اللحوم والألبان.
وهذه النسبة الكبيرة متوقع زيادتها، ففى حال استمرار معدلات النمو السكانى والتطور الاقتصادى بالمعدلات الحالية، سيتعين على العالم إنتاج 53 مليون طن إضافى من الغذاء سنوياً بحلول عام 2050.
تقابل تلك المتطلبات الجديدة أزمة أخرى، وهى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للتغيرات المناخية، فلزيادة إنتاج الغذاء يجب تحويل 442 مليون هكتار من الغابات والأراضى العشبية إلى أراض زراعية خلال الثلاثين عاماً المقبلة، وهو ما سينتج عنه إنتاج انبعاثات تعادل 80 مليار طن إضافى من ثانى أكسيد الكربون خلال نفس الفترة، مع العلم أن نفايات الطعام تمثل الآن نحو 8 % من الغازات الدفيئة عالمياً.
من أين يأتى الهدر؟
يحدث هدر الطعام فى كل مراحل سلسلة الإمداد، بداية من المزرعة نفسها إلى عملية الإنتاج والشحن والتخزين، وصولاً إلى المستهلك النهائى الذى يلقى ما يزيد على حاجته إلى النفايات مباشرة.
فى الدول منخفضة الدخل، يُفقد أغلب الطعام قبل أن يصل إلى الأسواق، وذلك بسبب مشكلات متعلقة بتعليم وتدريب المزارعين والمنتجين فى هذه الدول، لكن إذا تم تعليمهم تلك التقنيات التى تحفظ الطعام من الإهدار، فستقل تلك الخسارة إلى حد كبير.
أما فى الدول مرتفعة أو متوسطة الدخل، فإن أغلب الهدر يحدث فى الأسواق والمنازل، أى فى نهاية سلسلة الإمداد، ذلك يعنى أن القرارات الفردية للأشخاص فى تلك الدول، تشكل عنصراً أساسياً فى منظومة السيطرة على الطعام المهدر، وذلك باحتساب حجم وكميات المشتريات من خلال قرارات واعية من شأنها التأثير على نطاق أوسع.
الكرم عادة العرب، فتشيع الموائد العامرة بصنوف الطعام المختلفة فى الأعياد والمناسبات المختلفة أو حتى العزائم العادية، كلها ينتج عنها أطنان من الأطعمة المهدرة، فبحسب آخر إحصاءات، تهدر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 250 كيلوجرامًا للفرد سنويًا من الغذاء، بالمقارنة مع أوروبا 95 كيلوجراماً للشخص، والولايات المتحدة 115 كيلوجراماً سنويًا للشخص.
أدركت الحكومات خطر تلك الثقافة الاستهلاكية غير المكترثة بحجم الإهدار فى الطعام، وتعهدت كل من السعودية والإمارات بخفض 50 % من الطعام المهدر بحلول عام 2030، الأمر غير مقتصر على الجهود الحكومية وحدها، بل إن الشركات الناشئة ومنظمات المجتمع المدنى لها دور رئيسى فى تلك المهمة، وتفتح بابا كبيرا لخدمة المجتمع، مع تحقيق عوائد مادية فى الوقت نفسه.
فى مصر، توجد شركة تمكن المطاعم من بيع الطعام السليم على التطبيق، مقابل خصم يقدر بـ 50 %، بالإضافة إلى توفيرها إمكانية التبرع بالطعام بدلاً من بيعه.
فى الأردن، تعمل شركة لمعالجة الهدر فى مرحلة الزراعة، وذلك من خلال تحليل البيانات وبالاعتماد على تقنية بلوكتشين، التى تمكنهم من تحديد الأوقات المثلى لزراعة البذور والتحكم فى استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة.
فى السعودية، تركز شركة أخرى على مجال حفظ الطعام باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، لإطالة العمر الافتراضى للخضروات والفواكه واللحوم بنسبة تتجاوز الـ 60 %.
قوانين رادعة
الصين ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث أقرت قانوناً لمكافحة إهدار الغذاء، يتضمن فرض غرامات قياسية، ويعتبر إهدار الطعام جنحة، كما يتيح للمطاعم فرض تكلفة إضافية على فاتورة زبائنها فى حال الإهدار، فيما يكافئ من يأكلون كل ما طلبوه.
ينص القانون أيضاً على أن المطاعم التى تشجع زبائنها على طلب كمية تزيد على المعدل الطبيعى، ستتعرض لغرامة تقدر بنحو 10 آلاف يوان أو 1500 دولار، وهو ما يعادل أكثر من متوسط الراتب الشهرى للمواطن الصينى.
الصين لم تكتف بذلك فقط، بل سعت دائرة العقوبات إلى مستخدمى الإنترنت أنفسهم الذين ينشرون مقاطع فيديو تتضمن تحديات فى الشراهة، فمن يفعل ذلك يعرض لغرامة قدرها 100 ألف يوان أو نحو 15 ألف دولار.
نبعت تلك القوانين الصارمة من خلفية تعرض البلاد لمجاعة فى ستينيات القرن الماضى، راح ضحيتها عشرات الملايين وحُفرت فى أذهان الصينيين إلى اليوم، وهو ما أكده الرئيس الصينى شى جين بينج قائلاً: إنه برغم أن حجم الإنتاج الزراعى فى البلاد عند مستويات جيدة جداً، من الضرورى أن يكون لدى الجميع حس الأزمة وتفادى الإهدار وإن قل قدره.
الواقع يقول: إنه لا يمكن السيطرة بشكل كامل على حجم الطعام المهدر حول العالم، لكن الممكن هو الاستفادة من هذا الهدر من خلال عدة طرق، من بينها التخلص من المخلفات الغذائية عبر تحويلها إلى سماد، بدلاً من إلقائها فى مكبات النفايات.
فى أمريكا، على سبيل المثال، شرعت 8 ولايات قوانين تنص على إبعاد المخلفات العضوية عن المكبات لتقليل اتبعاثات غاز الميثان.
حقائق حول إهدار الطعام
- ماذا يعنى إهدار الغذاء؟ يشير المصطلح إلى الإنتاج الذى يتخلص منه المستهلك، وهو ما يحدث عادة فى مراحل الإنتاج وما بعد الحصاد والتصنيع الغذائي.
- ثلث الغذاء المنتج للاستهلاك الآدمى يُهدر، بخسارة تقدر بتريليون دولار سنوياً
-28 % من الأراضى الصالحة للزراعة فى العالم، تنتج الغذاء الذى يتم إهداره بدلاً من إطعامه للجوعى.
- المياه المستخدمة فى إنتاج الغذاء المهدر، يمكن أن تملأ بحيرة جينيف 3 مرات.
- %58 من الطعام المهدر فى المزارع يحدث فى المناطق ذوات الدخل المتوسط والمرتفع.
- هدر الغذاء وفقده كأنه ثالث أكبر منتج للغازات المسببة للاحتباس الحرارى بعد الولايات المتحدة والصين.
إهدار الطعام..