Close ad

د. شيرين الملواني تكتب: لعلها تكون الأخيرة!

24-1-2022 | 12:59

اهتز المجتمع المصري خلال الأيام القليلة الماضية لحادثة المعدية والتي فقدنا فيها أطفالًا في عمر الزهور، انتهت حياتهم قبل أن تبدأ بعد عودتهم من يوم عمل بالأجرة، نعم أطفال عُمال باليومية؟! وتباينت ردود الأفعال إعلاميًا ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي بين مُتصيد ومُزايد ومُتعاطف، وغاب العقل والمنطق عن التأويلات والتفسيرات..
 
لم يفكر أحد في أسباب عمل هؤلاء الأطفال ولم يعثر أحد على الجاني الحقيقي؛ ومن وجهة نظري فإن الجناة في هذه الحادثة كثر؛ أولهم البيوت والأسر؛ ولا نتكئ هنا على ترنيمة العوز والحاجة، فالإحصائيات تؤكد ارتفاع معدلات الزيادة السكانية في القرى والنجوع وتعدي أفراد الأسرة الواحدة الستة والسبعة أفراد.
 
ولا يخفى على أحد الموروث الشعبي الخاص بتلك الظاهرة والهدف منها ألا وهو تعدد موارد الرزق لرب الأسرة عند تشغيل أطفاله - ذكورًا أو إناثًا- حتى أن بعض الآباء يفضل التقاعد عن العمل طالما موارد الرزق متعددة ويحيا ضامنًا قوت يومه من عرق أولاده، ولم يشفع لدى تلك العقول والنوايا حملات تنظيم الأسرة ولا بيانات المجلس القومي للمرأة والطفل، والتحذيرات والتذكيرات بحقوق هؤلاء البراعم.
 
ثاني الجناة وليس آخرهم؛ مقاول الأنفار ذلك السمسار الموجود في جميع المحافظات وفي الريف المصري، والذي مهمته تشغيل واستغلال الأطفال في جمع المحاصيل ورش المبيدات لصغر حجم أجسامهم، والتعامل مع النباتات، ولا تتردد أي أسرة في تقديم أبنائها لمقاول الأنفار طمعًا في ربح يومي لا ينتهي؛ فتحول قدوم ذلك (القومسيونجي) لأمل منشود صبيحة كل يوم لكل أسرة ريفية -خاصة- من أجل ضمان الرزق.
 
ويأتي السؤال متي يُطبق قانون الطفل فعليًا بعدما تم مناقشته وتمريره؛ وقد استبشرنا بمواده خيرًا بما فيها من حماية لحقوق الطفل بعد سنوات ظلم للبراءة حتى وإن كان من والديه -المستغلين- ومما فيه من عقوبات يستحقها أصحاب الأعمال الذين يستخدمون الأطفال في الأعمال الخطرة؛ حيث جاء في أحد مواده الهامة وهي المادة ٥٨ من القانون على عمالة الأطفال، بحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم ١٥ عامًا، ومع ذلك يجوز تدريبهم من سن ١٤ سنة بما لا يعوقهم عن مواصلة التعليم، وجاء لأول مرة مُلزمًا صاحب العمل الذي يستخدم طفلًا أقل من 16 عامًا، بمنحه بطاقة تثبت أنه يتدرب مرفق بها صورة الطفل، وتعتمد من الجهة الإدارية المختصة.
 
كما حظر القانون تشغيل الطفل أكثر من ٦ ساعات يوميًا، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يعمل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة، ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية وإبلاغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال العاملين لديه، والأعمال المكلفين بها، وأسماء الأشخاص المنوط بهم مراقبة أعمالهم.
 
قانون العمل جاء شفافًا ومتخصصًا بأخذ رأي المجلس القومي للطفولة والأمومة، لتحديد نظام تشغيل الأطفال، والظروف، والشروط، والأحوال التي يتم فيها التشغيل، والأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيلهم أو تدريجهم أو تدريبهم فيها وفقا لمراحل السن المختلفة، ولم يغفل نقطة حظر تشغيل الطفل في عمل ليلي أي بين الساعة السابعة مساءً والسابعة صباحًا.ونضيف عليه ضرورة تطبيق المخالفات من خلال وحدات المرور على السيارات الناقلة للأطفال أقل من السن القانونية والتي تصل عقوبتها الحبس لمدة عامين، لأنها متاجرة وتعريض لخطر الحوادث والموت معًا أي جريمة مزدوجة.
 
 ما حدث في مأساة المعدية أدمي قلوبنا؛ ولابد أن نتكاتف ونسعى لتكون آخر الحوادث؛ عن طريق البحث في منابع تلك المصيبة وتجفيفها، رحم الله ملائكة السماء الأبرياء وأعاننا على عقاب ومحاسبة كل مُغرض مُستغِل مُتاجر بتلك الزهور حتى وإن كان رب الأسرة نفسه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
د. شيرين الملواني تكتب: "نداء لصيادلة مصر"

بحت أصواتنا كصيادلة أصحاب ضمير؛ ننادي زملاء المهنة بعدم تشغيل دخلائها، وعدم الاعتماد عليهم في صرف الدواء والتحكم في جرعاته، وتنحيتهم تمامًا من مشهد مواجهة

د. شيرين الملواني تكتب: "نظرة على الانتخابات الفرنسية"

منافسة قوية ومواجهة ساخنة بين إيمانويل ماكرون ومنافسته في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبان ، اتخذت المواجهة طابعًا إعلاميًا قويًا

د. شيرين الملواني تكتب: بيع أم تمكين أم شراكة!

وصل لمسامعنا نوفمبر الماضي أطروحة شراكة القطاع الخاص مع القطاع العام؛ من خلال مجموعة من الآليات المُقترحة؛ لتمكين القطاع الخاص بالتوازي مع إعادة هيكلة

د. شيرين الملواني تكتب: "أقسى من جائحة كورونا"

بالأدلة والأرقام وصلت أزمة التضخم ذروتها عالميًا (الأسوأ منذ عام ٢٠٠٨) مسببة أضرارًا كبيرة على الأسر في جميع أنحاء العالم كنتيجة لاضطراب سلاسل الإمداد،

د. شيرين الملواني تكتب: "مدارس التكنولوجيا"

لن يتغير الموروث الفكري والمجتمعي البائد المُنصب على تبجيل المؤهلات العليا، والتهافت على كليات القمة وغيرها، حتى وإن لَفظت عاطلًا عالة على الوطن مُكبدًا الدولة خسائر اقتصادية