انتشرت في الآونة الأخيرة الأخطاء الطبية الصادرة من بعض الأطباء أثناء علاج المرضى، والقانون كان مُنصفًا في حماية الطبيب أثناء مزاولته للعمل الطبي وأيضًا حماية المريض من الخطأ الطبي الناتج من بعض الأطباء سواء أكان عن قصد أم عن غير قصد، سواء أكان الخطأ ناتجًا عن إهمال أم رعونة، فهناك حالات يُسأل عنها الطبيب وحالات أخرى ينجو الطبيب ويضيع حق بعض المرضى المجني عليهم!
وهذا ناتج عن أن بعض الأطباء والمستشفيات يحصنون أنفسهم قانونيًا قبل البدء في العلاج، فإذا ذهب شخص إلى المستشفى يجد أن قبل إجراء أي عمل طبي تقوم المستشفى بإجبار المريض أو أهله بالإمضاء على ورقة مضمونها إخلاء مسئولية الطبيب والمستشفى، بالتوقيع على موافقتهم على إجراء جراحة أو غيرها أم عدم الموافقة وتحمل ما يحدث جراء ذلك! وما على المريض وأهله إلا الإمضاء! وبذلك يشعر الطبيب والمستشفيات بإخلاء مسئولياتهم عن أي نتائج تحدث!
فبادئ ذي بدء هناك شروط لإباحة العمل الطبي أولها: أن يكون الطبيب أو الجراح مُرخصًا له بمزاولة المهنة، والشرط الثاني: رضاء المريض وهو ما تحدثت عنه في الفقرة الأولى ورغم ذلك هناك حالات تستدعي من الطبيب التدخل السريع لإنقاذ حالة المريض دون الحصول على موافقته إذا ترتب على التأخير إلحاق ضرر جسيم بالمريض، والشرط الثالث: أن يكون العلاج الطبي القصد منه علاج المريض فإذا كان لغرض آخر يُسأل الطبيب حتى لو تم حدوث ذلك بموافقة المريض فيسأل عن جريمة عمدية.
ولكن يظل السؤال متى يقع الطبيب في مسئولية الخطأ الطبي؟ أي إخلال الطبيب عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها عليه القانون، كالإهمال: فيجب على الطبيب قبل إجراء أي عمل جراحي أن يقوم باتباع الإجراءات الاحترازية كتعقيم غرفة العمليات، إجراء الفحوص اللازمة للمريض قبل إجراء العملية الجراحية، فعلى سبيل المثال: " أدانت محكمة الجراح الذي تسبب بإهماله وعدم احتياطه في كسر ساق مريض أثناء تحريك ترابيزة العمليات التي كان يرقد عليها المريض وهو مخدر وذلك بسبب عدم ملاحظته أن الساق كانت مربوطة فيها وبها مرض معين يقتضي عدم تحريكها"!
وأيضًا يُسأل الطبيب الذي يترك بعض الأدوات التي تستخدم أثناء العملية الجراحية في جوف المريض وقد شاهدنا الكثير من الحالات التي نتج عنها وفاة المرضى وأيضًا تفاقم المرض نتيجة الخطأ الطبي الناتج عن الإهمال الطبي، فهنا يسأل الطبيب بالرغم من الحصول على موافقة المريض على إجراء العملية الجراحية ليس بسبب مباشرة العمل الطبي ولكن نتيجة الخطأ الطبي الناتج عن الإهمال الطبي! وأيضًا حالات الخطأ الطبي الناتج عن زيادة كمية المخدر أثناء إجراء العملية الجراحية والتي نتج عنها وفاة العديد من الأرواح بسبب الإهمال الطبي .
الرعونة: ويكون الطبيب مسئولًا أيضًا عن رعونته عندما يتكاسل عن قراءة التقارير الخاصة بالمريض قبل إجراء العملية مما نتج عن ذلك وفاة المريض بسبب رعونته، كالطبيب الذي يعطي المريض حقنة في العرق فنتج عن ذلك خُراج في ذراع المريض نتيجة إهمال الطبيب في تنظيف الحقنة، عدم الاحتراز: كالطبيب الذي يقوم بعلاج مريض من عضة كلب ثم ادعى أنه شُفي وتبين أنه كان من المفترض أن يرسله لمستشفى الكلب لعلاجه.
وهناك صور للخطأ الطبي: كالخطأ في التشخيص: وهذه تعتبر أهم مرحلة فهناك العديد من الحالات المرضية التي تفاقمت فيها حالة المريض وحالات أخرى أدت إلى وفاته بسبب خطأ في التشخيص فترتب عليه خطأ في العلاج! رفض علاج المريض: كالمريض الذي يتواجد في مكان ناءٍ ليس به غيره ويرفض علاج المريض أو وجود حالة الضرورة لتدخل الطبيب وامتنع، ويعفى الطبيب من المسئولية في حالات القوة القاهرة والظروف الخارجة عن إرادته والتي بموجبها منعته من إسعاف المريض، فلم يقبل القضاء الفرنسي إقامة مسئولية الطبيب لإخراجه طفلًا من المستشفى بحجة عدم توافر سرير للعناية وبإمكان الأم إسعافه في المنزل، في المقابل أقام مسئولية الطبيب الذي امتنع عن التدخل برغم إبلاغه بخطورة الحالة، ترك المريض: بعد قبول الطبيب علاجه ولا تنتفي المسئولية إلا إذا ثبت أن هناك ظروفًا قاهرة حالت دون علاجه، رفض المريض العلاج: هنا تنتفي مسئولية الطبيب في حالة توقيع المريض على رفضه العلاج.
أما عن الخطأ في العلاج: فالطبيب مسئول على العلاج وليس على النتيجة، فعند قيام الطبيب باتباع جميع الإجراءات السابقة ورغم ذلك لم يتم شفاء المريض أو حدثت الوفاة فلا يُسأل، يُسأل فقط عند عدم ممارسة شروط العمل الطبي وعند حدوث إهمال أو رعونة أو عدم اتباع الحذر كما سبق شرحه بإيجاز في الفقرات السابقة.