مع التراجع المتوقع لتجارة واقتصاديات النفط والطاقة التقليدية، وتواضع التزامات الدول الصناعية بمعادلة صفر كربون، تتجه جهود علماء المناخ وخبراء الطاقة إلى الاعتماد على "الهيدروجين الأخضر" باعتباره طاقة متجددة آمنة بيئيا وأقل تكلفة من مصادر الطاقة التقليدية.
فقد توقعت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا -IRENA "، النمو السريع لاقتصاد وطاقة الهيدروجين العالمي، مما سيحدث تحولات اقتصادية وسياسية، تؤدي إلى موجة من مجالات التجارة والتعاون الجديد، معتبرة أن الهيدروجين سيغير أنماط ومسارات الطلب على الطاقة الحالية، ويضفي الطابع الإقليمي على علاقات الطاقة الجديدة، وولادة مراكز وكيانات جديدة تحدث تأثيرًا ملحوظًا وتحولًا كبيرًا في الاعتماد على إنتاج واستخدام الهيدروجين النظيف، باعتباره كأحد بدائل الطاقة التقليدية المعتمدة على النفط والغاز والكهرباء.
لماذا الهيدروجين الأخضر..لأنه يحتوي على ما يقرب من 3 أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود التقليدي الأحفوري، مما يجعله أكثر كفاءة، وفقًا لمقالة نشرتها كلية كولومبيا للمناخ، ويمكن أيضًا اعتباره مضاعفًا للكهرباء، ومع بعض الماء وقليل من الكهرباء، فإنه يمكن توليد المزيد من الكهرباء أو الحرارة، فضلا عن إتاحته على نطاق واسع.
واستعدت دول، مثل اليابان وألمانيا، إلى فتح أبوابها أمام الهيدروجين الأخضر، وتعتبره دول أخرى مثل أستراليا وعمان والسعودية والإمارات، وسيلة مهمة لتنويع اقتصادياتهم البديلة للطاقة التقليدية، كما بدأت كل من الصين واليابان وأوروبا في تصنيع المعدات المعنية بصناعة الطاقة من الهيدروجين، مثل المحلل الكهربائي وخلايا الوقود، حيث تم تطوير المبادرات وتوجهات الاستثمار بالفعل في هذا الاتجاه، حيث يشير خبراء الطاقة، إلى أن الدول الأكثر قدرة على توليد كهرباء متجددة رخيصة، ستكون لها الأفضلية في إنتاج الهيدروجين الأخضر القادر على المنافسة.
المعروف أن مصر بدأت في منتصف العام الماضي، في إعداد إستراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتتطلع إلى إطلاق مرحلة أولية من المشاريع التي قد تصل قيمتها إلى 3-4 مليار دولار.
ويكتسب "الهيدروجين الأخضر" اهتمامات متنامية جديدة على كافة المستويات، باعتباره الموضوع الأهم نحو التوجه للاقتصاد النظيف، فقد أعلنت العديد من الدول المتقدمة مثل أستراليا وفرنسا، وأيضا الأسواق الناشئة مثل الهند والبرازيل، انضمت إليهما مصر مؤخرًا، عن مبادرات للهيدروجين الأخضر، والحكومة بصدد الإعلان عن مشروعات تتعلق بالهيدروجين الأخضر تهدف إلى دمجه في إستراتيجية الطاقة 2035 عبر خطط حالية ومستقبلية، حيث تعد مصر في صدارة قائمة الدول المنتجة للطاقة المتجددة بأكثر من 22% في استهلاك الطاقة بشكل عام خلال العام الماضي 2020-2021.
وقد بدأ عدد من مستثمري القطاع الخاص والشركات العالمية بالفعل للعمل مع الحكومة، حيث وتدرس شركات مثل "سيمنز" مشروعًا تجريبيًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، و"إيني" الايطالية بإعداد دراسات جدوى، كما تعمل مجموعة "ديمي" البلجيكية على توليد الهيدروجين الأخضر، وناقشت شركة "هيونداي روتيم" الكورية الجنوبية، إضافة إلى شركة الطاقة الإيطالية "سنام"، خطط الطاقة الجديدة مع الحكومة.
وتوقع تقرير "IRENA" أمكانية تداول أكثر من 30% من الهيدروجين الأخضر عبر الحدود عام 2050، وهي حصة أعلى من الغاز الطبيعي اليوم، وأن الدول المستهلكة للطاقة التقليدية، بإمكانها أن تقيم علاقات طاقة ثنائية حول الهيدروجين، مع ظهور المزيد من المستثمرين والمستوردين والمصدرين الجدد لهذه الطاقة الجديدة على المسرح العالمي، واستبعد التقرير حدوث تجمعات مصالح وجماعات ضغط، في تجارة الهيدروجين، على عكس ما يحدث حاليًا في أسواق النفط والغاز.
ويقدر سوق الهيدروجين النظيف بحوالي 150 مليار دولار، مقابل 174 مليار دولار في التجارة والاستثمارات في سوق الوقود الأحفوري "الطاقة التقليدية"، كما توقعت صحيفة "الفاينانشيال تايمز"، وقدرت أن تصل قيمة سوق الهيدروجين إلى نحو 600 مليار دولار بحلول عام 2050، تستخدم في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والكيمياء والإنشاءات.
ويثبت الهيدروجين الأخضر، كل يوم، أنه الحلقة المفقودة لمستقبل طاقة الآمن مناخيًا، كما يرى فرانشيسكو لا كاميرا، المدير العام لوكالة الطاقة الدولية المتجددة، ويضيف أن الهيدروجين يهيمن على ثورة الطاقة المتجددة مع ظهور الهيدروجين الأخضر، ليغير قواعد اللعبة محققًا الحياد المناخي دون المساس بالنمو الصناعي والتنمية الاجتماعية.
وتجيب الوكالة الدولية للطاقة، عن تساؤل يقول: كيف يمكن للهيدروجين أن يصبح مصدرًا للطاقة، وذلك باحتراق الهيدروجين مع الأكسجين لينتج طاقة صفرية الكربون صديقة للبيئة، مما ينتج عنه حرق صديق للبيئة، ويعد المصدر الأساسي لإنتاج الهيدروجين في الوقت الحالي هو الغاز الطبيعي، وينتج 6% من الغاز الطبيعي العالمي نحو 75%، أو 70 مليون طن من إنتاج الهيدروجين السنوي.
يحمل الهيدروجين الأخضر عدة مزايا، منها أنه مستدام، ولا ينبعث منه غازات ملوثة، وقابل للتخزين، وهو أيضًا متعدد الاستخدامات، حيث يحول إلى كهرباء أو غاز اصطناعي للأغراض المنزلية أو التجارية أو الصناعية، وهو قابل للنقل، أما سلبياته، فهو عنصر شديد التقلب وقابل للاشتعال، ويراعي اتخاذ تدابير أمان شاملة.. فهل يؤدي، اعتماد حوكمة الهيدروجين الأخضر، إلى تشكيل قواعد ومعايير المنافسة العالمية، وفتح حقبة جديدة في عصر الطاقة النظيفة..
[email protected]