حلم برئاسة الوزارة وهو طفل برياض الأطفال، وقبل بها وهو بالسادسة والستين من عمره، وكان يعرف أن ترشيحه حدث لأن السفينة "تغرق"، وليس حبًا له أو إيمانًا به؛ إنه ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني، والكاتب والمؤرخ والفائز بنوبل للأدب لكتاباته التاريخية عام1953..
ولد 30 نوفمبر 1874 في عائلة أرستقراطية، وأبوه كان زعيمًا بحزب المحافظين البريطاني وتوفي 24 يناير 1965.
عاش تشرشل 91 عامًا حافلة بهزائم وانتصارات وتحديات للواقع ولنفسه أيضًا، بكل ما تعنيه الكلمة؛ تعرض للأسر وترأس عدة وزارات، وفقد رئاسة الوزارة لهزيمة حزبه بالانتخابات، ثم عاد ليرأسها بعد فوز حزبه للانتخابات..
عندما تعرض حزبه للهزيمة عام 1945 استقال من رئاسة الوزراء "ثم" أسس اللجنة المؤقتة الأوروبية التي سعت لإنشاء اتحاد أوروبي..
كان "يجيد" استثمار وقته ويحرص على الاستفادة من ملاحظات من حوله ويكافح "لمنع" تكرار أخطائه، واستفاد من قوله: "الانتقاد قد لا يكون محببًا، لكنه ضروري، لأنه يقوم بنفس وظيفة الألم بجسم الإنسان وينبهنا لأمر غير صحي".
تميز بكتابة الخطابات السياسية واستطاع استنهاض الهمم وهو القائل: "الأسلوب دائمًا هو الذي يجعلنا نكمل الحديث مع أحدهم أو نتجنبه تمامًا"..
قال له هتلر: "لا نريد محاربتك؛ نريد استسلامك"؛ فرفض تشرشل، وتمكن من إقناع البريطانيين بالصمود بوجه هتلر، ولجأ للشعب فاستقل مترو الأنفاق - لأول مرة في حياته - لمحطة "واحدة"؛ تكلم خلالها مع بعض عامة البريطانيين رجالًا ونساءً من مختلف الأعمار، وعرض عليهم خطورة الوضع وكيف سيزداد صعوبة عند الاستسلام، وأيدوه في القتال واستعان بكلامهم عندما ألقى خطابه الشهير بالبرلمان "وأجبر" خصومه على التراجع..
خاض الحرب العالمية الأولى وفاز ببعض المعارك وخسر بالأخرى، وقال: "عندما يخطئ سهمك هدفه؛ لا تفكر ما الخطأ الذي فعلته، بل اسحب السهم الثاني وفكر: ما الذي يجب عليك فعله لتصيب الهدف"؛ ويقصد ألا نضيع الوقت في لوم النفس "والمسارعة" بتعويض النفس عن الخطأ أو الهزيمة بنجاح ونصر..
رأس الوزارة ببلده بالحرب العالمية الثانية وواجه مؤامرات كثيرة "لدفعه" لقبول مفاوضات مع هتلر، وقال قولته الرائعة: "لا يمكنك التفاوض مع النمر ورأسه في فمك"، وأطلق حكمته الصادقة، والتي تنبئ عن "وعيه" التاريخي: "الأمم التي تسقط وهي تقاتل تنهض مجددًا، والأمم التي تستسلم بخضوع تنتهي"..
ما قاله يصدق أيضًا على كل إنسان يسعى للنجاح في كل مجالات الحياة وليس على الدول فقط..
قال تشرشل: "الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي الانتصار"؛ وقدم الوصفة للانتصار فقال: "لا جدوى من قولك أنا أبذل قصارى جهدي؛ عليك أن تنجح في فعل ما هو لازم"؛ ينبه لأهمية مراجعة الهدف من العمل والتركيز على تنفيذ أفضل الخطط، وليس بذل الجهد عشوائيا ثم التحسر بعد الفشل..
وقال: "إذا كنت ترغب بحق في استكشاف بحار جديدة يجب عليك أولا أن تتحلى بالشجاعة اللازمة لمغادرة الشاطئ"؛ وهو كلام واقعي؛ فمن "يخاف" مغادرة الشاطئ لن يصل لأي بحر، ومن يرغب بنجاح "سهل" سيعيش أسيرًا للفشل وأوجاعه والعكس صحيح..
كان أول من رفع علامة النصر بإصبعين لرفع الحالة المعنوية لشعبه وسط صيحات اليأس بعد سقوط بعض دول أوروبا في قبضة هتلر..
عمل وزيرًا بالعديد من الوزارات كالدفاع والتجارة والصناعة والداخلية والطيران والمالية.
فاز بوصف أعظم بريطاني على مر العصور باستطلاع عام 2002.
أصدر عدة كتب منها: "حرب النهر" عن الحملة الإنجليزىة - المصرية لاسترداد السودان، وكتاب "حياتي الباكرة"، و4 مجلدات باسم "مارلبورو" عن سيرة أجداده، وكتب كتابًا عن السيرة الذاتية لوالده بعنوان: "لورد راندولف تشرشل"، و4 مجلدات عن "الأزمة العالمية" و4 مجلدات عن "تاريخ الأمم الناطقة بالإنجليزية" و6 مجلدات عن "الحرب العالمية الأولى"..
ونتذكر قوله الصادق: "أدرس التاريخ، أدرس التاريخ، فهناك تكمن أسرار الحكم".
تعرض للأسر في حرب البوير بجنوب إفريقيا، وتمكن من الهرب، وعمل مراسلًا حربيًا لصحيفة بريطانية في هذه الحرب..
أصيب تشرشل - وهو في السابعة والسبعين من عمره - بأزمة صحية خطيرة أفقدته الوعي لبعض الوقت، وتوقع كثرون موته، ولما أفاق كان فاقدًا للقدرة على الحركة ولا يستطيع الكلام، ورفض الاستسلام "وأخضع" نفسه لتدريبات متواصلة حتى استعادهما؛ وكيف لا يفعل؟ وهو القائل: "أنا متفائل دائمًا؛ فلم أجد فائدة تعود عليَّ من كوني أي شيء غير ذلك"..
والقائل: "النجاح ليس نهائيًا والفشل ليس مصيريًا؛ بل هي الشجاعة لمواصلة الكفاح"..
كان يحرص دومًا على القيلولة يوميًا ولو لنصف ساعة، والطريف أنه عندما كلفه الملك بتشكيل الوزارة، وعرض عليه ميعادًا لمقابلة أسبوعية بينهما رفض تشرشل الميعاد؛ لأنه يوافق وقت القيلولة، ووافق الملك..
هذا عن راحة الجسد، أما راحة العقل فكان تشرشل يحب الرسم ويتقنه، ويطلق عليه "الملاذ" الذي يلجأ إليه هربًا من حدة الضغوط..
عاش حياته ونفذ حكمته الرائعة: "لا تتخلى عن شيء لا يمكن ليوم أن يمر بدون أن تفكر به، والجهد المتواصل - وليس الذكاء أو القوة - هو مفتاح إطلاق قدراتنا الكامنة".