Close ad

د. شيماء سراج عمارة تكتب: حقوق الإنسان واللغة المؤسسية المفقودة

20-1-2022 | 17:05
الأهرام المسائي نقلاً عن

حينما نتحدث عن الدول المتقدمة، دائمًا ما نلصق بأى منها مصطلح أنها "دولة مؤسسات"، ودائمًا ما نذكر أثناء حواراتنا العادية أن تلك الدول تتبع إستراتيجيات، وتسعى إلى تطبيق تلك الإستراتيجيات، حتى وإن غيرت من أساليب التنفيذ، الناتج عن إعادة تقييم الموقف، والذى قد يستلزم الأمر اتباع آليات وأدوات جديدة بهدف الوصول إلى غايتهم وتنفيذ إستراتيجيتهم؛ حيث يقيم الموقف والتوجه لديهم باختلاف أنماطه سواء أكان توجه سياسى أو اقتصادى أو اجتماعي، مؤسسات متخصصة، فهى فى أول المطاف ونهايته دول قانون ودول مؤسسات.

وكلما ارتفع تصنيف الدولة وانتمائها بدرجة أكبر إلى مصاف الدول المتقدمة، كلما تعزز دول مؤسساتها، بهدف تحقيق الصالح العام لتلك الدول، وهو ما يخفض من درجة شيوع الفساد لديها، ويحفظ لمواطنيها حقوقهم، تلك الحقوق المبنية على تعظيم الإنتاجية والجودة التى يعطيها أو يحصل عليها المواطن، وذلك فى كل مناحى الحياة، من تعليم، وصحة، وإسكان، وطرق، وخدمات وسلع، وهو الامر الذى ينعكس على كل تقارير تلك الدول، وتصنيفاتها، فنجد أن تصنيفاتها الدولية مرتفعة، وتقاريرها المحلية واضحة، لأنها مبنية على نظام مؤسسى متقن.

وحينما نتحدث عن الدول النامية، نجد أن آفتها تتركز فى مؤسساتها، لنجدها تتسم بالضعف والأداء الواهن، وعدم وضوح الرؤية الإستراتيجية، وشيوع البيروقراطية، وتلك السمات المعرقلة قد تكون متعمدة لتحقيق مكاسب لبعض الفئات ذات المصلحة، وقد تكون غير متعمدة إن افترضنا النوايا الطيبة إن وجدت، إلا أن الشيء المؤكد هو الانعكاس المباشر على الإنتاجية والجودة التى قد يقدمها المواطن أو يحصل عليها، نتيجة الغياب أو الضعف المؤسسي، وهو الامر الذى يظهر وبوضوح فى كل الأنشطة الحياتية، من انخفاض لجودة السلع والخدمات مثل الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية، وبالتالى يشيع فى تك الدول الفجوات المجتمعية من تفشى لظاهرة الفقر بين نسب مجتمعية كبيرة، وارتفاع غير مبرر لمستويات المعيشة لشرائح مجتمعية أخرى، وهو الامر الذى يهدر من حقوق الإنسان ويحكم بالإعدام على تكافؤ الفرص فى تلك الدول النامية، والسبب الأول وإذ ربما الأخير هو الضعف أو الانهيار المؤسسى الذى تعانى منه، فلا يوجد مؤسسات واضحة ترصد وتوجه وتقوم تنفيذ الرؤى الإستراتيجية، ومن ثم لا يوجد تقارير دورية محلية تظهر نقاط القوة وتدعو إلى تقويم نقاط الضعف.

وهو الامر الذى يظهر أمام المجتمع الدولى وكأن تلك الدول تخفى الحقائق، على الرغم من أن بعض مؤسساتها التى قد تسعى لتحقيق الصالح العام، وقد تبذل الجهود لتحقيق حياة أفضل لمواطنيها، لينعكس الأمر نتيجة عدم الوضوح المؤسسى على كل المؤشرات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتكافؤ الفرص، لتنهار الترتيبات الدولية فى تلك الدول النامية، والسبب المباشر هو الافتقار للغة المؤسسية الفعالة، فاللغة المؤسسية الفعالة هى من تجيدها وتعتمدها الدول المتقدمة كلغة للحوار الدولى الحقوقى المتكافئ. 

وفى شأن اللغة المؤسسية لحقوق الإنسان وتكافؤ الفرص فى الدول المتقدمة،ووفقاً لاطلاعى على عدد من التجارب الدولية المختلفة، أستطيع أن أقسم التوجهات الدولية الكبرى للدول ذات التصنيف الدولى المرتفع فى هذا المجال إلى ثلاثة توجهات مؤسسية رئيسية، فمن تلك التوجهات المؤسسية نجد أن الدول الأكثر تقدماً فى هذا الملف قد أنشأت كيان مؤسسى أسمته بالمفوضية العليا يعلو الكيانات التنفيذي، لتختص تلك المؤسسة بالمراقبة والمتابعة والتقويم لحقوق الإنسان وتكافؤ الفرص فى كل المؤسسات العاملة فى الدولة مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، ويأتى فى التصنيف المؤسسى الثانى توجه دولى أنشأ كيانات تنفيذية وزارية بمسميات مختلفة، ولكن مهامها اتحدت نحو هدف تطبيق تكافؤ الفرص والمساواة وضمان حقوق الإنسان مثل الدنمارك وفنلندا وكوريا الجنوبية، ويأتى فى التصنيف المؤسسى الثالث إنشاء مجلس حكومى أو هيئة استشارية تخضع إلى السلطة التنفيذية العليا، وتسعى لتعزيز حقوق الإنسان والحث على تكافؤ الفرص مثل البحرين والإمارات، أما الدول خارج التصنيف المتقدم فى ذلك الشأن قد تسعى إلى الإنشاء المؤسسى الظاهرى غير المفعل للمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان وتكافؤ الفرص، وإن فعلتها تتبع الطرق الملتوية فى التقييد الأدائى لتلك المؤسسات لتصل إلى حد التهميش المتقن أو الحد المقنن لتأثيرها أو حتى وصولها لصانع القرار.

واستنادًا إلى التجارب الدولية المتقدمة فى ذلك الشأن نجد الربط بين حقوق الإنسان وتكافؤ الفرص يكون فى المجتمعات المتقدمة ذات الأصول العرقية المتجانسة، وكلما تعددت الجنسيات التى تقطن الدولة المتقدمة وتعمل بها، كلما انفصلت المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان لديها عن المؤسسات المعنية بتكافؤ الفرص، إلا ان الغاية المؤسسية واحدة، وهو حماية حقوق الإنسان وتحقيق تكافؤ الفرص.

لنصل فى نهاية المقال إلى نتيجة مؤكدة وهو ضرورة الوصول إلى الوضوح والكفاءة المؤسسية المعنية بتقييم وتقويم إستراتيجيات حقوق الإنسان وتكافؤ الفرص فى الدول النامية، كى ينعكس الامر أولاً؛ على جودة الحياة لمواطنيها، وتحسين أدائها المحلى وتصنيفاتها الدولية، ولتصل ثانياً؛ إلى المرتبة الحوارية المتقنة والمعترف بها من جانب الدول المتقدمة فى ذلك الشأن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: