شابة مصرية لا توفق في زواجها رغم إنجابها أربعة أطفال أكبرهم ثمانية أعوام والأصغر عامان، كالمعتاد يتخلى الرجل عن الأسرة وتُجبر المرأة أن تتولى رعاية الأربعة أبناء بمفردها تربية وتعليمًا وصحة وتفاصيل يومية مٌهلكة، ليس هذا فقط؛ بل تضطر أن تعمل ليل نهار لتوفر للأطفال الحد الأدني من مستلزمات حياتهم بالطبع، هذا جنون بالطبع قد لا يصدقه إنسان عادي في أي مجتمع آخر، لكن للأسف يتكرر هذا كثيراً في مصر.
خرجت الأم للعمل وأغلقت بابها على الأبناء، فحدث ماس كهربائي ثم احترقت الشقة، لم يعرف الأطفال كيف يتصرفون إزاء ذلك، إلا أنهم اختبأوا جميعهم داخل غرفة، ووضعوا أخيهم الصغير تحت السرير متخيلين أنهم ابتعدوا بذلك عن الخطر، لكن كان للقدر رأيُ آخر، فالتهمت النار الأربعة أبناء، وعندما وجد الجيران الدخان يخرج من الشقة كسروا الباب، لكن كل شيء كان قد انتهى! وفُجعت الأم باحتراق ثمرة حياتها وموت أبنائها الأربعة في ساعة واحدة.
- للأسف هذه ليست الحالة الوحيدة، وبدون مبالغة تعيش آلاف السيدات في مصر مثل سيدة فيصل التي فقدت أربعة أبناء نتيجة غياب الدعم لهذه الأسرة؛ لتعيش حياة إنسانية معقولة، دون أن تفقد الأم حياتها، ولا الملائكة الصغار الذين احترقوا بقسوة الأب أو سوء ظروفه، أو تقصير الجميع قبل أن يحترقوا بنار الماس الكهربائي.
- حالة طلاق كل دقيقتين في مصر حسب الإحصائيات الأخيرة (هذه النسب المعلنة والموثقة بشكل رسمي، وبالطبع النسب الحقيقية أضعاف تلك)، لا نتحدث اليوم عن الظاهرة وأسبابها رغم كارثيتها الاجتماعية، لكن نتحدث عن إحدى نتائجها الصعبة، وهي أن الزوجة بمفردها تتحمل مسئولية المنزل والأطفال، سواء كان الأب المُطلِّق نذلًا وتخلي عن واجبه الشرعي والاجتماعي (وهذا كثير للأسف)، أو كان الزوج رجلًا فقيرًا لا يستطيع تحمل نفقات منزلين أو أسرتين أو حتى أسرة واحدة فيدفع الحد الأدنى من النفقات أو حتى لا يدفع، وتكون المرأة هنا ملزمة بالعمل ليل نهار حتى توفر الحد الأدنى من مقومات الحياة لهؤلاء الأطفال، وهذا عبء قاتل على المرأة ونادرًا ما تنجو الأسرة بسلام؛ سواء في العيش بكرامة وبشكل سوي؛ سواء في التربية السوية لأطفال أو في الحياة بسلام وكرامة.
ولأن هذه ظاهرة وليست حالة فردية وواجب على الدولة تقديم الدعم بكافة السبل لهذه الأسرة التي تجد نفسها في مهب الريح، كما يحدث ذلك في معظم دول العالم التي تكفل المحتاج من مواطنيها ومساعدته بكافة الطرق، وأن يكون هناك قانون مٌلزم بتقديم الرعاية والدعم لهذه الأسر، وإذا تعثر ذلك نتيجة للوضع الاقتصادي الحالي فلماذا لا يتم دعوة الجهات المعنية والقوى الوطنية لحوار مجتمعي يخرج بقرارات لحل تلك الكارثة مثلًا؟
- لماذا لا تشجع الدولة المصرية الأحزاب السياسية المتخطي عددهم مائة وخمسين حزبًا على عمل مشروعات تستفيد منها كل امرأة معيلة بأجور مناسبة في كل مدينة وقرية مصرية وبالتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي التي لديها بالتأكيد حصر بأسماء كل امرأة معيلة بمصر، وتقدير إمكانية عملهم؛ سواء من المنزل أو في أماكن قريبة منه، مع تكفل الوزارة براتب ثابت لهن حتى لو لم يكن مبلغًا كبيرًا، فقط يكفي الحد الأدنى من الاحتياجات، كما يحدث في العالم كله كي لا تجبر المرأة على ترك أطفالها والخروج للعمل بما في ذلك من مخاطر نفسية وتربوية، وحتى مخاطر على حياة الأطفال.
- في حوار سابق مع د.رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي عرضت كمًا كبيرًا من المشروعات التي تدعمها جهات دولية مهمة وبمبالغ طائلة، لكن للأسف عدد السيدات المستفيدات من هذه المشروعات في عدد بعينه من القرى البعيدة أقل بكثير من العدد الفعلي للسيدات المعيلات المحتاجات للدعم، فلماذا لا يتم التنسيق على نطاق أوسع لعمل مشروعات أو ورش أو مصانع تكون الأولوية فيها للسيدات المعيلات؛ سواء بالعمل أو بتوزيع جزء من الأرباح كرواتب ثابتة لهن ولأطفالهن؟
- لماذا لا تلزم الدولة رجال الأعمال (ومنهم الآلاف المتخطية ثرواتهم لمليارات في معظم المحافظات الكبرى) بمسئوليتهم الاجتماعية تجاه هذا القطاع الواسع عن طريق تقديم خدمات واضحة وكفالة محترمة دائمة حتى يصل الصغار لبر الأمان، مع الوضع في الإعتبار أن كثيرًا من النساء المعيلات لديهن أطفال مرضى أو ذوو احتياجات خاصة، وبالتالي تكاليف الحياة والتعليم والعناية المنزلية تتضاعف عليهن؟
وإذا لم تتدخل الدولة لتعدل الحال المائل وتدعم المواطن المحتاج للدعم والسند فمن يتدخل لحماية المجتمع من قنبلة اجتماعية ضحيتها آلاف الأطفال والنساء؟ وإذا ضاع الأطفال فماذا يتبقى لحماية مستقبل الوطن؟