.. بعد غياب دام طويلا عادت الحياة مرة أخرى إلى منارة العالم، ولأن الماء عصب الحياة، فكان لحفر ترعة المحمودية 1820م، سبب في ربط الإسكندرية بالبلدان المصرية وانتعاش تجارتها مما جعلها مقرًا لناظر (وزير) التجارة المصرية بعد التوسع في الزراعة خاصة زراعة القطن وتصديره، وفيما بعد ربطت السكك الحديدية بينها ومدن الدلتا وأصبحت الإسكندرية مركزًا لتجارة القطن.
أدرك محمد علي باشا أهمية الإسكندرية كمركز بحري وحربي وتجاري، فاهتم بتحصينها فأصلح حصونها القديمة وأنشأ أخرى جديدة وسلحها بأحدث الأسلحة الحربية واستبدال الميناء الشرقي بالميناء الغربي وإنشاء منارة جديدة بإشراف المهندس المصري محمد مظهر باشا.
بعد هلاك الأسطول المصري بالكامل في موقعة نفارين 1826م، قرر محمد على تأسيس أسطول جديد على أرض مصر، فأنشأ دار الصناعة (الترسانة البحرية) والتي أعادت أمجاد مدينة الإسكندرية في عصورها القديمة حتى أصبح الأسطول المصري الثالث في العالم بعد إنجلترا وفرنسا.
وبدأت الإسكندرية تنمو فبنيت القصور والفيلات والمنازل حول ترعة المحمودية والتي سميت على اسم السلطان العثماني محمود.
خططت شوارع وأحياء المدينة فوق أطلال إسكندرية البطالمة والرومان، فتم إنشاء ميدان محمد علي تتوسطه نافورة رخامية، ومحاطًا بأحدث البنايات على الطراز الأوروبي، سكنها قناصل الدول الكبرى ومقر القنصلية الفرنسية؛ لذلك عرف بميدان القناصل، وبالقرب منه الكنيسة الانجيلية الموجودة إلى الآن.
في البداية عاش الأجانب في وكالة عرفت بالفندق؛ حيث متاجرهم ومساكنهم وتغلق عليهم ليلًا، إلى أن سمح لهم محمد علي بالانتشار في المدينة فأنشأوا لأنفسهم حي الإفرنج والمعروف بمنطقة الرمل، وكان زيزينيا وانسطاطس وجبارة أول من بنوا القصور والمنازل، ثم أدخل إليها البريد والتلغراف.
وعلى الطرف الغربي من جزيرة فاروس بنى محمد علي 1824م، سراي رأس التين، ومنها كان يشرف على أعمال بناء الترسانة، أجريت للسراي عدة إضافات وتعديلات حتى عهد فؤاد الأول، ومنها غادر الملك فاروق مصر نهائيًا.
أول صورة فوتوغرافية يتم التقاطها في مصر، بل في إفريقيا كانت لمبنى الحرملك بسراي رأس التين 1835م بعد مضي شهرين فقط من اختراع التصوير الفوتوغرافي، تلتها صور لعمود السواري ومعبد الأقصر ووادي الملوك وهرم خوفو.
في 1845م تأسست أول شركة مصرية للملاحة على البحر المتوسط، وفى العام التالي أسست شركة أخرى للملاحة في النيل لربط الإسكندرية بسائر مدن القطر المصري.
وفى الإسكندرية أيضًا تم إنشاء أول بنك بمشاركة الحكومة المصرية وقنصل اليونان وباتسريه الفرنسي، برأس مال 700 ألف ريال فرنسي منه 400 ألف للحكومة المصرية لتثبيت أسعار العملة وتحديد سعر العملات المصرية والأجنبية.
استكمل الخديو إسماعيل ما بدأه جده لبناء مدينة حديثة متطورة فأسس بنية تحتية بدأت بشق كثير من الشوارع الرئيسية والمعروفة حتى الآن مثل شارع إبراهيم باشا والجمرك والمحمودية وسكة الرمل، ثم إنارة الشوارع بغاز الاستصباح؛ حيث منحت الحكومة 1865م شركة ليبون الفرنسية امتياز إنارة الإسكندرية، ثم تحول الامتياز إلى الكهرباء، كما تم توصيل المياه النقية إلى المنازل وفى 1879م أنشئت شركة مياه الإسكندرية، وكانت الإسكندرية أولى المدن المصرية في توصيل المجاري تحت الأرض 1878م، كما أنشئت المستشفيات والمدارس، وللعناية بالصيانة والنظافة أنشئت البلدية.
ومن أهم الأحياء التي أنشأها إسماعيل حي العمال، فقد اشترى قطعة أرض ووهبها للحكومة على أن تستغل حصيلة ما يدفعه العمال من إيجارات المساكن في إنشاء مستشفى لهم للعلاج مجانا.
عرفت الإسكندرية أول مصيف 1870م بعضها ملك للبلدية والبعض الآخر للأجانب؛ منها حمام بالوني بالميناء الشرقي وشاطئ المكس ومعظم الحمامات الخاصة في ضاحية الرمل، كما أنشئت حديقة النزهة على شاطئ المحمودية.
أما حكاية ترام الإسكندرية فبدأت 1860م بخط سكة حديد يصل بين الإسكندرية وضاحية الرمل، وكانت منطقة مسلة كليوباترا (محطة الرمل) أول مكان توضع فيه قضبان السكك الحديدية؛ ليبدأ تشغيل الخط في يناير 1863م وتجر عرباته الخيول، ثم قاطرات بخارية.
بدأت شركة ترامواي بالاسكندرية؛ وهى شركة بلجيكية في مد الأسلاك الكهربائية، حيث افتتح الخديو عباس حلمي الثاني أول خط للترام في 11 سبتمبر 1897م، وكانت المحطة الرئيسة في مينا البصل أمام بورصة القطن ليتفرع منها إلى ثلاثة خطوط أحدها إلى المنشية الصغرى (ميدان سانت كاترين)، ويصل الثاني إلى المكس، والثالث يبدأ من شارع الميدان بميدان المنشية، ومنه يصل خط رابع إلى منطقة الجمرك (منطقتي الأنفوشي ورأس التين)، ثم امتدت خطوط الترام لتربط بين الضواحي وقلب المدينة.
وللحديث بقية