Close ad

د. محمد مصطفى الخياط يكتب: كلهم في العشق قيس .. وكلهن في الحب ليلى

9-1-2022 | 17:03
الأهرام المسائي نقلاً عن

ما زال مشهد الريحاني في فيلم غَزَل البنات يمسح دموعه تأثرًا مما أهاجه فيه شدو الموسيقار محمد عبدالوهاب بأغنية (عاشق الروح)، من عشق كواه، ومحبوبة شغلت بغيره، يثير الشجن.. (ضحيت هنايا فداه.. وهعيش على ذكراه.. هايم على دنياه..).

كثيرون هم المحبون بغير أمل، تبعدهم عمن يحبون سنوات ضوئية، (لقيتك في السما عالى وأنا فى الأرض مش طايلك..)، حتى إنهم أفقدوا الأمل وظيفته ومعناه، (وخليت الأمل راهب مالوش عندى أمل تانى.. أَنور شمعتى لغيري ونارها كاوية أحضاني.. وأبيع روحي فدى روحي.. وأنا راضي بحرماني.. وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فاني..).

لا يختلف مشهد الريحاني وليلى مراد كثيرًا عن مشهد كامل الشناوي والمطربة نجاة عندما اكتشف حبها ليوسف إدريس، فأرسل لها قصيدة (لا تكذبي.. إني رأيتكما معا.. ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا.. ما أهون الدمع الجسور إذا جرى.. من عين كاذبة فأنكر وأدعى.. إني رأيتكما.. إني سمعتكما.. )، فأعجبت بها وغنتها، فيما راح هو يحترق ويذوب كشمعة. ويدعي البعض أن الشناوي اخترع القصة برُمتها كما اخترع غيرها، فمن المعاناة يولد الإبداع، (حبيبها.. لست وحدك حبيبها.. حبيبها أنا.. أنا قبلك.. وربما جئت بعدك..)، ولست قلبي، (أنت قلبي فلا تخف وأجب.. هل تحبها.. وإلى الآن لم يزل نابضاً فيك حبها.. لست قلبي أنا إذن.. إنما أنت قلبها)، اللتان غناهما عبد الحليم حافظ.

 وقصيدة (لا وعينيك)، (لا وعينيك يا حبيبة روحي.. لم أعد فيك هائما فاستريحي..)، التي غناها فريد الأطرش، الذي لم يدخر وسعًا بدوره في الإعلان عن فقده الأمل فغنى لليأس قدر استطاعته (بحب من غير أمل وقلبي راضي سعيد وإن طال عليه الأجل انت الحبيب الوحيد)، وقصيدة لحن الخلود (والحب من غير أمل أسمى معاني الغرام..)، ويبدو أنه نسي اعترافه السابق، (وكل ما يدق قلبي بنادي عليك.. وبكل شوقي وحبي بنادي عليك.. وحتى لو كنت جنبي بنادي عليك..).

 وما هذه الإشارات إلا بعضًا من قصص وصلنا القليل منها عن أولئك (الذين يحبون، لا يتزوجون)، كما قال نجيب محفوظ على لسان كمال في رواية (قصر الشوق)، وإن رأيت إضافة (حبيباتهم) في نهاية الجملة، ليستقيم المعني والقاعدة. إذ تزوج محفوظ من غير حبيبته.

 وقد آثر العقاد الوحدة، وكتب روايته (سارة)، فادعى البعض أنها تحكي قصته مع الكاتبة اللبنانية مي زيادة، التي كانت أحد نساء عصرها بما امتلكته من ثقافة واتقان عدة لغات. كتبت في العديد من الصحف وكان لها صالون أدبي يقصده الوجهاء والأعلام.

 وقيل إنها الفنانة مديحة يسري، وزعم آخرون بل الصحفية آليس داغر. وقد دحض العقاد تلك المزاعم بمقدمة مراوغة جاء فيها (كتبت هذه القصة لغير شيء، إلا أنّني أردت أن أجرب قلمي في القصة. لهذا السبب وحده كتبت سارة. وهو سبب قد يصح أو يكون له نصيب من الصحة).

 من قبل، هام قيس بن الملوح بليلى العامرية، ورغم رفض والدها له، ثم زواجها من وِرد العُقيلي، ظل يردد (أمرُ على الديار ديار ليلي.. أقبل ذا الجدارَ وذا الجدارَ/ وما حب الديار شغفن قلبي.. ولكن حب من سكن الديارَ). مسكينٌ قيس، عاش في الخيال أكثر مما عاش في الواقع. عشِقَ قيسٌ ليلي. واكتفت هي بحبٍ عابرٍ نسيته بالزوج والأولاد.

كان الألم وقود إبداعات المحبين بغير أمل، وبه فاح عطر العنبر من جُرح البوح والكتابة. فكلهم في العشق قيسٌ، وكلهن في الحب ليلى.

 

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة