سيدة شابة جميلة، تتطوع وتجتهد وتعلم أبناء الناس في إحدى المدن الحكومية المصرية، وتحصل على جائزة المعلمة المثالية بإجماع الآراء، تخرج السيدة ذات يوم في رحلة نيلية مع زملائها تتنزه وتتمايل مع الموسيقى الصاخبة كأي امرأة أو رجل ينشد قليلًا من البهجة، فما كان من (رجل سارق أو مختلس لخصوصيات الناس) إلا أن قام بتصويرها خلسة بغرض نشر الفيديو لفضحها بين مجتمعها الريفي الذي يحرم أي مظهر من مظاهر البهجة على النساء.
في حين يعتبر أن ذلك حق أصيل لكل رجل، وقد يثاب عليه ولا يعاقب ولا يفضح إذا أتى به، (ولا بغيره من أفعال قد تكن مشينة بالفعل)، فالشرف وحسن السمعة في مصر سيف على رقاب النساء فقط، وتدفع ثمن أحكامه النساء فقط.
عادت المُدرسة من رحلتها لتفاجأ بالفيديو المنتشر كالنار في الهشيم لتتدمر أسرتها بعد أن قرر زوجها أن يطلقها إرضاءً لمجتمعه، تجد نفسها تخسر أسرتها وعملها وسمعتها، فقط لأنها رقصت على أنغام الموسيقى!
- بداية: أين القانون من التجسس، انتهاك حرمات الغير وتصويرهن دون علمهن، ونشر ذلك بغرض الإساءة، وماذا حدث مع مرتكبي هذه الجرائم التي زادت مؤخرًا مثل تصوير السيدة الأوكرانية في شرفة منزلها، ونشر الفيديو بكل وقاحة وفجور، وهل نستغل الفيديوهات المسروقة للنساء لنخلق منتحرين جددًا مثل بسنت خالد وغيرها؟
بالطبع أصبح المجتمع كله ضد بعض البهجة إذا شاركت بها المرأة في مناسبة أو تجمع، ونفس هذا المجتمع المتدين الشريف قد يوافق أن يخونها نفس الزوج ويجبرها ضمنيًا أن تبقى معه ولا تطلب الطلاق؛ لأن هذا مقبول اجتماعيًا وغير مجرم كأي سلوك أنثوي عادي كان أم سلوكًا مشينًا كالخيانة والرشوة وغيرها.
- هنا بالطبع نٌرسل التحية لناصر لواء وزارة التربية والتعليم وكيل الوزارة الذي حول المدرسة المتطوعة للتحقيق بتهمة "البهجة" الممنوع ممارستها داخل أو خارج وزارة نادرًا ما تعاقب مُدرسًا مرتشيًا ولا فاسدًا ولا متحرشًا ولا جاهلًا ولا متطرفًا ولا مهملًا، وإلا لما وصل التعليم في مصر لهذا المستوى، من سيحاسب الآن هذا الموظف الذي صعد هذه التفاهة لتصبح قضية رأي عام، ولم نجد له مرة موقفًا ضد قضية تربوية ولا تعليمية حقيقية تحدث داخل محراب منطقته التعليمية أو أحد مدارسها.
وبمناسبة قضية التعليم التي أصبحت جمرة يحترق بنيرانها معظم البيوت المصرية بمختلف مستوياتها، هل لنا أن نطلق هنا مجموعة من الأسئلة المشروعة حول بند مهم جدًا يمس صميم حياتنا جميعًا، وليس مجرد التحقيق مع إحدى المدرسات التي تمايلت على أنغام الموسيقى في رحلة خاصة خارج الوزارة، حتى لو رفض معظمنا الفجاجة التي رقصت بها.
- الآن نتحدث فيما يخصنا نحن ونتساءل: كم مدرسة في مصر من المدارس الحكومية تقدم تعليمًا جيدًا تحت رقابة حقيقية تربوية وتعليمية وسلوكية بكثافة معقولة في الفصول، وأنشطة تتيح للطلبة أن يمارسوا هواياتهم بشكل صحي (منها بالطبع الرياضة والغناء والتمثيل والرقص).
- هل هناك رغبة حقيقية في تطوير التعليم وإعادة النظر في مناهجه العقيمة لنواكب طرق التعليم العالمية خاصة في اللغات ومنها للأسف اللغة العربية والعلوم التي تطورت في العالم كله، ونحن ما زلنا نتهجى ونحفظ، هل سمع السيد الوزير عن مناهج التربية الدينية الإسلامية المفروضة على الطلبة في سنواتهم الدراسية الأولى والمحتفية فقط بآيات الحساب والعذاب والنار والقيامة وكأننا نرهبهم متعمدين ونبعد قلوبهم عن الله وعن الدين، وكأن القرآن الكريم كله ليس فيه سوى سورة القارعة وأخواتها؟
- لماذا لا يوجد أي رقابة على براثن المدارس الدولية والخاصة التي تضاعف نفقاتها دون حساب، ولا تقدم أيضًا تعليمًا متميزًا ولا أنشطة متميزة إلا فيما ندر وتفوق نفقاتها في معظم الأحيان إمكانيات الأسرة الثرية؟! وإذا وجدنا مهتمًا هنا بفكرة الهوية الاجتماعية والدينية في تعليم يرفع أعلام وثقافة ولغة وعادات مجتمعات أخرى، ويتخرج منه شباب غرباء ثقافيًا عن هذا الوطن.
- ماذا تم فعليا لتحسين أحوال المدرسين من حيث الأجور والامتيازات وساعات العمل والراحة؟
- اذا كنتم صادقين في قضية التعليم ودعم مستقبل هذا الوطن شجعوا العلم وشجعوا الأنشطة وشجعوا الفرح، حاربوا التجسس والسرقة وغياب الضمير ومطاردة وقهر النساء، ابدأوا من نهضة التعليم والاهتمام بالثقافة خطواتكم لمحاربة الإرهاب، وليس فقط محاربة الإرهابيين، في حين تتركون بذور التطرف والبداوة والجهل والتعصب تنبت كل يوم في المدارس والجامعات لتعوض نقص الفنون والآداب والرياضة والثقافة الحقيقية.