Close ad

د. شيماء سراج عمارة تكتب: غبريال كوكو شانيل .. وفن خلق الفرص

6-1-2022 | 16:28
الأهرام المسائي نقلاً عن

بداية القرن الماضي، كانت فكرة مشاركة السيدات في مجتمع الأعمال موضوعا غير متعارف عليه في أكثر دول العالم تقدماً، فالرجال هم من كانوا يتولون مختلف المناصب والمرأة مكانها الطبيعي في تلك الآونة هو رعاية الأطفال في المنازل، وعلى أقصى تقدير إذا ما استدعى الأمر عمل المرأة، فيمكنها أن تعمل في المصانع والحقول والمحال التجارية، أما كافة المناصب فكانت من نصيب الرجال، فقد كان من غير المتعارف عليه أن تمتهن المرأة مهنة المحاماة أو المحاسبة، أو الطب، أو الخوض في مجال ريادة الأعمال التجارية أو الصناعية.

وانعكس هذا الفكر المقيد للمرأة على الموضة وعالم الأزياء، فنجد أن تلك الآونة اتسمت أزياء السيدات في أمريكا وأوروبا بالطول المبالغ فيه الذي يلامس الأرض بشكل يعوق حركة السير، والحجم المتسع المقيد لتحركاتها، فلم تكن المرأة تستطيع التحرك بسهولة ويسر بتلك الأزياء، ومن ثم تشكل أزياءها، وتعكس في ذات الوقت عدم الاكتراث بتحركات المرأة، لذا كان الاعتماد على الرجل في كافة مناحي الحياة في تلك الآونة.

ولم يتوقف الأمر عند ثقافة بقاء المرأة في منزلها فقط، وما تعكسه أزياؤها، ليمتد الأمر إلى فرض ثقافة ضرورة محافظة المرأة على نقاء بشرتها، وعدم تلونها ومن ثم الابتعاد المباشر عن أشعة الشمس، كناية عن عدم خروجها من منزلها، فنجد أيضاً أن الموضة ناصرت تلك الفكرة فظهرت موضة القبعات كبيرة الحجم وجاء تزيينها بأشكال مختلفة من الفاكهة والورود، والتي تعمل كمظلة للمرأة من أشعة الشمس، ففي حالة اضطرار المرأة إلى الخروج من منزلها، لتشكل عبئا إضافيا على تحركات المرأة.

وبدأت النساء تشعر بالضيق من تلك الثقافة المجتمعية السائدة، وإحدى تلك النساء "غابريال كوكو شانيل" أو "كوكو شانيل"، تلك المرأة الفرنسية التي عشقت فن الأزياء، وحلمت بأن تقتحم عالم صناعة الموضة، بل وتغيير الثقافة المجتمعية السائدة من عام 1910، وحتى عام 1971.

لتبدأ كوكو شانيل رحلة خلق الفرص، لتبدأ الاقتراض من أحد أصدقائها البريطانيين، وتفتتح أول محالها التجارية لبيع القبعات في باريس عام 1910، فلم تكن تتمتع بخبرة عمرية فقد كان عمرها 27 عاماً، كما أنها لم تكن تتمتع بخبرة علمية أو عملية تذكر في عالم المال، أضف إلى ذلك أن أسرتها كانت أسرة عادية، فلم تكن من الأسر الثرية أصحاب النفوذ آنذاك.

فمجمل ما كانت تتمتع به هو خبرتها المتواضعة في عالم حياكة الأزياء، والذي اكتسبته من خلال عملها في إحدى ورش صناعة الأزياء، إلا أن حلمها وعملها الدؤوب وإصرارها تغلبوا على محدودية خبرتها وإمكاناتها الظاهرية المتوافرة، لتنجح في تحقيق الأرباح وتسدد ما اقترضته، لتقترض مجدداً لتفتتح مشروعها الثاني وتعيد نجاحها، وتبدأ في التفكير في الدخول لعالم الأزياء، حيث رأت أن النساء في حاجة إلى أزياء تساعدهن أكثر على الحركة والاستمتاع بالحياة عقب الحرب العالمية الأولى.

لتنجح في تغيير توجهات الموضة الفرنسية والعالمية، ليس هذا فقط ولكنها غيرت من توجهات المجتمع بأكمله لتسيطر ببساطتها على عقول وقلوب شعوب، لتستمر خطواتها نحو اقتحام عالم المجوهرات والاكسسوارات والأحذية والحقائب ومستحضرات التجميل التي جعلت من اكتساب البشرة البرونزية سبيلاً تسعى له المرأة المرفهة، ووصولاً إلى اقتحامها عالم السينما، لتصبح أول امرأة تعمل في مجال ريادة الأعمال وتخلق علامة تجارية باقية حتى الآن تتجاوز إيراداتها السنوية فقط ما قيمته 11 مليار دولار،ل تشكل منتجاتها إعادة تشكيل الهوية الثقافية المجتمعية، ومحور اهتمام الطبقات الثرية، لتنجح في أن تكون حلقة الوصل بين توجهات مجتمع الأثرياء الألمان والفرنسين والبريطانيين والأمريكان، دون إغفال للفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً من خلال تقديم المساعدات المستمرة أثناء فترات الكساد العالمي والحرب العالمية الثانية.

لتنجح شانيل في خلق فرصها، وتنجح من خلالها في تغيير توجهات مجتمعية، خلقتها أزياؤها وكافة منتجاتها، لتصبح وبجدارة من أهم ١٠٠ شخصية عالمية، وواحدة من أغنى وأنجح سيدات الأعمال التي عرفتها البشرية إن لم تكن أنجحهن خلال القرن العشرين، ولمدة تجاوزت الستين عاماً، فجاءت تجربتها لتجسد المعنى الحقيقي لفن خلق الفرص.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: