مرت قبل يومين الذكرى الأولى لرحيل الكاتب الكبير والسيناريست المبدع وحيد حامد.
وحيد حامد بالنسبة لي ولجيلي وأجيال كثيرة، يمثل مرحلة مهمة وفارقة ليست في حياتنا فقط ولكنها في دفتر وضمير هذا الوطن. فقد عاش سنوات عمره راصداً لأهم الانفعالات التي شهدتها مصر في العقود الأربعة الماضية. وانعكس ذلك على حجم كبير من الإنتاج السينمائي، كانت له فيه البصمة المميزة الواضحة والرؤية الكبيرة والعميقه للوطن وأوجاعه.
شاءت الأقدار أن أكون ليس صديقا فحسب، ولكن صديقاً مقرباً – رغم فارق السن- للأستاذ وحيد حامد في السنوات العشر الأخيرة. ودارت بيننا على مدى هذه السنوات حوارات طويلة أثارت جدلاً كبيراً في الشارع المصري وقت نشرها، وبعضها الآخر لم يٌنشر حتى الأن!
عشرات اللقاءت المسجلة، التي تحدث فيها صراحة ومن القلب. في كل لقاء كنت أجد أمامي شخصاً مختلفاً راصداً و متابعاً. محذرا ومتفائلاً و متشائماً. كان إنساناً شديد الحساسية، يقظا لأبعد الحدود. ربما يصمت طويلا ولكنه في النهاية يتحدث، وعندما يتحدث لا يجرؤ أحد على أن يسكته!
وحيد حامد يحتاج الى "إعادة اكتشاف" ليس مني وحدي ولكن من كل من عرفه، فكثيرا ما حدثني أصدقائى الذين كانوا على علم بحجم العلاقه وعمقها، أنا أعد كتابا عن هذا الرجل وأروي تفاصيل خاصة لا يعلمها كثيرون.
وحقيقة ليس من عادتي أن أتعجل في مسألة الكتابة عن حدث أو شخص خاصة عندما يكون بحجم وتأثير وحيد حامد، لكني احتفظت لنفسي بالتوقيت الذي أستطيع فيه أن أتذكر وأعي ما كان يقوله وأتابع نتائج ما تحدثنا عنه.
عظمة وحيد حامد تكمن في قدرته على فهم البشر. وربما دراسته للفلسفه كانت سببا في ذلك، ثم رحلة العناء الطويلة من الشرقية الى القاهرة، ومجالسة رموز الأدب والفن والكتابة، وتأثره الكبير بمعاناة الوطن وطموحاته وآماله.
أستطيع أن أجزم أن وحيد حامد كان ثائراً من طراز فريد، كانت زعامته تتجلى وثورته تنفجر على الورق، مستخدماً أبدع الأوصاف وراصدا لأدق التفاصيل، مضحكاً و مبكياً ومرشداً.
في كثير من الأحيان أثناء حواراتي مع الأستاذ وحيد ، كنت أرقب نظراته التي تبدو وكأنها تلتقط الإجابة من بعيد.. من مشهد فريد على نيل جاردن سيتي..في الزاوية التي تطل على مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة..
قلت له في أحد اللقاءات.. في يوم من "الأيام" سأكتب كلامي معك، أنا أعلم أنك رفضت كتابة مذكراتك عدة مرات، وفي عروض عديدة من ناشرين ومحطات فضائية.
ابتسم وقال:
- عايزني ليه أجيب سيرة ناس ماتت.. الحياة بحلوها ومرها ستنتهي.. ماذا سيفيد الحديث عن " فلانة" أو " علان"؟!
قلت له :
" ولكن رأيك لن يمنعني من أكتب كتاب عنك في يوم من الأيام .. وهأسميه ثرثرة على النيل مع وحيد حامد"!
ضحك على الاسم.. وأجاب بكلمة هادئة:
- براحتك..
أثناء إعداده للجزء الثاني من "الجماعة".. استيقظت فى صباح أحد أيام شتاء 2015 على اتصال هاتفى منه. سألنى مباشرة: «أنت عارف جيفرسون كافرى»، فأجبته: «نعم.. ده السفير الأمريكى بالقاهرة أثناء ثورة يوليو». فقال: «أريد أن أعرف هل كان يتحدث العربية أم لا؟.. خذ وقتك.. وأنتظر منك الرد»!.
بعد أيام التقيته لأخبره بأن «كافرى» وغالبية طاقم السفارة الأمريكية، كانوا يتحدثون العربية بطلاقة. دفعنى فضولى الصحفى إلى أن أسأله عن السبب.. فكانت الإجابة أن كل مشهد فى «الجماعة 2» سيكون بوثيقة وليس حدثا افتراضيا.. حتى الحديث له مراجع تم تقييمها تاريخياً!.
هذا هو المعيار الذى وضعه الكاتب الكبير والسيناريست المبدع وحيد حامد في.
هذه القصة وغيرها. ستكون ضمن كتابي الجديد الذي سيصدر على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال أيام .. لعل هذا الكتاب يكون " إعادة اكتشاف" لرجل عاش ومات مدافعاً عن مبادئه.. وحبه لهذا الوطن.