"ألقتْ بكَ المقادير في يمِ الحياة طفلًا يتيم الأبوين فقيض الله لكَ أختًا ما كانت امرأة سوء ولا بغيًا، بصرت بك عن قربٍ وأنت لا تشعرْ ومشت بك في دروبِ الحياة على استحياءٍ حتى بَلغتَ رشدك، ولما شببت عن الطوقِ ما شددت عضدها؛ بل عريتها لغريبٍ يَنهش لحمها لتأكل ميراثها ظلمًا، آمنتك في سربك فروعتها على الملأ!! دَثرتك في ظلمةِ الليل فعريتها نهارًا، لم ترع فيها يا أخاها إخوة ولا ذمة، ولمْ ترع لحُرمةِ الدمِ والرحمِ حرمة لقد جئت شيئًا فريًا، فإذا الملح يقي اللحم الفساد فمن يصلح الملح إذا الملح فسد؟"
إن هذه القضية في صورتها ليست في صورتها الحقيقية مُجرد واقعة خطف وهتك عرض، إنما هي على النظرة بعيدة المدى أمارة يقينية على خلل اجتماعي وبيل يضرب بقيم المجتمع ومبادئه عرض الحائط، لذلك فإن المحكمة تُهيب بعلماء الأمة دينًا واجتماعًا وإعلامًا وثقافة وفنًا أن خذوا بأيدي الناس إلى أحكام الدين الحنيف وقيم ومبادئ هذا المجتمع الأصيلة القويمة، ولن يتأتى ذلك إلا بتكاتف يكون فيه صالح هذا الوطن نصب الأعين وفي مهجة القلوب.
حيثيات الحكم في القضية المرعبة التي بدأت بهذة الكلمات المزلزلة لكل صاحب ضمير حي، قبل النطق بالحكم النافذ بالسجن المشدد 10 سنوات على المتهم بخطف شقيقته بمساعدة صديقه بسبب رغبته في سرقة ميراثها، والسجن المشدد 5 سنوات لصديقه الذي ساعده في القيام بتلك الجريمة.
- الشيء الذي يجب علينا التوقف عنده أولًا هو عمر وعمل المتهم فعمره 21 عامًا يعمل متعهد توزيع طيور، (وهذا لا ينتقص منه بالطبع؛ لكن من الواضح أن هناك حقدًا شديدًا سابقًا لاستكثاره على أخته حق الله في الميراث، ورغبته في إهانتها والنيل منها؛ لأنها تتفوق عليه اجتماعيًا وتعليميًا، وما أدراكم ماذا تفعل الغيرة والغل بين الأهل، وخاصة بين الأشقاء إذا لم يتم تربيتهم بشكل سوي.
- في هذه الجريمة قام الأخ بالاتفاق مع صديقه بخطف شقيقته، وإكراهها واقتيادها داخل سيارة، ثم قاما بالتعدي عليها بالضرب بالأيدي، وأوثقا أيديها وكمما فمها بلاصق، وتمكنا بتلك الوسيلة القسرية من إقصائها إلى عدة أماكن، في محاولة لخطفها وتصويرها عارية لإجبارها على التنازل عن ميراثها.
وكشفت تحقيقات النيابة أن تلك الجناية اقترنت بجريمة الخطف، وجناية هتك عرض المجني عليها، وذلك لأنها في ذات المكان وفي رابطة زمنية واحدة، وتعديا عليها بالضرب بالأيدي وأوثقا أيديها وكمما فمها بلاصق، فخارت قوتها ووهنت قامتها، وتمكنا بتلك الوسيلة القسرية من أن ينزع الأول عنها ما يستر عورتها حال تواجد الثاني للشد من أزره، عارضین عرضها المنتهك على أعين الكافة، وسرقا المبالغ المالية والهاتف الجوال والمستندات المبينة، وصفًا وقيمة بالتحقيقات والمملوكة للمجني عليها.
- الشيء الثاني الذي لا يمكن إغفاله هو القصور الشديد في دور علماء الدين المعتدلين، وترك الساحة لجرائم تتم تحت شعار العادات والتقاليد والعرف، أبرزها سرقة ميراث الإناث، واعتبار ذلك عاديًا متاحًا؛ بل وطبيعيًا خاصة في الصعيد وفي الريف، لذلك قرر المتهم تنفيذ تلك القناعة بالقوة؛ لأنه لم يتمكن من تنفيذها بهدوء، وإذا لم توجد أسرة تٌربي ومدرسة تقوِّم وثقافة تحمي وعلماء دين مرشدون للطريق القويم بدون ظلم أو تطرف أو جهل، فكيف سنحاسب شابًا مريضًا بكل الأمراض الاجتماعية والأخلافية والنفسية لدرجة الاعتداء بنفسه على شقيقته واستباحة تعريتها وسرقتها بالاشتراك مع صديقه المنحرف مثله.
- وأخيرًا لا يمكن الفصل بين الجرائم التي تشيب لها الولدان في مجتمعنا، خاصة جرائم العنف الأسري التي لا يصدقها أي عقل ولا تتوافق مع أي فطرة سوية، ولا أي دين، وبين تفشي تعاطي المخدرات المنتشرة - بأرخص الأثمان بين الطبقات الدُنيا للمجتمع؛ بل إنها أصبحت من أهم وسائل الترفيه المحببة والمتاحة جدًا لديهم، ولا حسيب ولا رقيب من الدولة أو من المجتمع إلا بعد أن تنفجر نتيجة ذلك في وجوهنا جميعًا.
وبين الصورة الافتراضية للأخ كما وردت في الأسر السوية الدافئة، كما يجب أن تكون (وهذا موجود بالفعل وإن أصبح ليس هو العادي والطبيعي) وبين الواقع المتجلي فيه كل ما هو عكس ذلك بدرجات الظلم والجحود وحتى الإجرام، يجب أن نقف اليوم ونسأل أنفسنا عن مجتمعنا، ونطالب بمعرفة أسباب وطرق العلاج لما يحدث ويشوه مجتمعنا وحياتنا وإنسانيتنا بالطبع، مثلًا قد نتساءل في محيطنا القريب أو البعيد:
- كم شقيق أهان أخته حتى لو كانت صاحبة فضل عليه؟
- كم شقيق استغل أو حتى (سرق) ثمرة كفاح وعرق شقيقته، وفي النهاية جحد بها؟
- كم شقيق قتل شقيقته إما بإيذائها أو بإجبارها على زوج يؤذيها؟
- كم شقيق قتل شقيقته تحت حجة قضايا الشرف (أي شرف في القتل)؟
- وأخيرًا، كم خسة تدفع ثمنها البنات في أوطاننا؟!