لا أعرف الحاج سعيد صاحب إحدى شركات المقاولات، الذي كان محوراً لحديث وسائل الإعلام على مدى الأيام القليلة الماضية.
الحاج سعيد كان ضيفاً على افتتاح عدد من مشروعات الصعيد وتفاجأ بحديث مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال عرض عدد من المشروعات المحتملة بصعيد مصر، عندما مازحه الرئيس السيسى، بشأن الانتهاء من إنشاء كوبرى دشنا والحصول على جزء من المال فقط لحين انتهاء العمل نهائياً، وكان رد "الحاج سعيد" على الرئيس سريعاً بالموافقة، على البدء فى المشروع وفق ما أمر به الرئيس.
حقيقة أتشرف بمعرفة المهندس سعيد محمود، رئيس مجلس إدارة ومالك إحدى شركات المقاولات العاملة، فى المشروعات المختلفة التى تقوم بتنفيذها الدولة حاليًا. هذا الرجل يمثل نموذجاً لتلك النوعية من الرجال التي تمثل صلب الوطنية المصرية بلا ادعاء أو مبالغة أو استعراض.
الرجل الذي بادر بالموافقة علي طلب الرئيس في بدء مشروع ضخم لأحد المحاور الكبرى، في مقابل تقاضي ربع المبلغ المقرر فقط من التكلفة الإجمالية، وأن يتم سداد المبلغ بعد عام، هو نموذج حقيقي لهذا الشعب الذي قهر الصعاب، وقدم الغالي والنفيس في معاركه الحاسمة.
هذه النوعية من الرجال، افتقدتها مصر بشدة على مدى عصور وعهود مضت للأسف. فقد كان طبيعياً وسط عمليات "التجريف" التي شهدتها مصر، أن يتقدم الصفوف شخوص كل همهم هو جمع الأموال من دم هذا الشعب بأي طريقة كانت. ونحن هنا لا نتهم كل رجال الأعمال، فهناك شرفاء مشهود لهم بمشاركة الدولة المصرية ومساندتها في كل مشروعاتها التنموية.
خلال العقود الماضية تحول مصطلح "رجال الأعمال" إلى أداة للاستيلاء على أراضي الدولة، والتدليس والمتاجرة بأقوات الناس ولا مانع من العمل ضد مصلحة الوطن أو المشاركة في تخريبه.
هذه الفئة لوثت المصطلح، الذي ولد وتنامى في فترة الانفتاح، بعد أن كان رجل الأعمال قديماً يطلق عليه "الوطني الكبير"، لأنه بكل بساطة مرتبط بهذا الوطن، وما يقدمه من صناعة أو زراعة هو لخدمة وطنه وأبنائه في المقام الأول.
كانت ثورة 1919، وتنامي فكرة "الاستقلال الوطني" في مطلع القرن الماضي، وراء ظهور هذه النوعية من رجال الصناعة والزراعة. فلم يكونوا مستوردين لبضائع أجنبية، بل كانت رؤوس أموالهم وطنية صنعت المنافسة فيما بعد للمنتج الأجنبي.
ربما يتذكر كثيرون "القفشه" التى أطلقها نجم كوميديا "الزمن الجميل" إسماعيل ياسين فى فيلم "المليونير"، حينما سأل الخادمة (سعاد مكاوى) عن اسمها، فأجابته قائلة بخفة ودلع: "سُكره" .. فرد عليها بذكاء ولاد البلد قائلاً: "أحب عبود باشا"!
الجميع وقت إنتاج فيلم "المليونير" عام 1950 يعلم من هو "عبود باشا"، فقد كان المهندس أحمد عبود "ملكاً" بحق، يعتلى عرش مملكة واحدة من أهم ممالك السلع الغذائية فى مصر والشرق الأوسط وهى مملكة صناعة "السكر"..
عبود باشا واحد من ملوك الرأسمالية الوطنية المصرية، بين عدد من ملوك الاقتصاد الوطني، منهم فرغلي باشا ملك القطن، وسيد ياسين ملك الزجاج وغيرهم. في هذا الزمان كان اسم رجل الأعمال مرتبطاً بصناعة أو زراعة أو بنيان يقدمه لوطنه.
رحلة الرأسماليين الوطنيين في مساندة الدولة المصرية، لم تتوقف عبر التاريخ، فلا ننسى تبرعاتهم لإعادة تسليح الجيش المصري، في عهد الرئيس عبد الناصر، ولا ما قدموه للمجهود الحربي وكل أبناء الشعب المصري من يونيو 1967 وحتى نصر أكتوبر المجيد عام 1973.
مصر الآن تخطو خطوات ثابتة ومدروسة، وتحقق إنجازات تنموية في مدد زمنية قياسية لم تتحقق على مر التاريخ الحديث، وهنا يجب أن يكون دور رجال الأعمال واضحاً وصريحاً.
الدولة المصرية – كما يشدد الرئيس دوما - تريد أن يربح الجميع، وأن يكسب رجال الأعمال، ولكن مع كل ذلك لابد أن يكسب الوطن وكل أبنائه.