Close ad

ثابت أمين عواد يكتب: بالعربي .. كم ظلمنا لغتنا وأنفسنا!!

25-12-2021 | 13:22

بعد أن تلاشت الملامح وتباينت الأشكال وتنوعت الثقافات وتغيرت الطقوس واختلطت المذاهب والملل والنحل، تكاد اللغة العربية، برغم ما تعرضت وتتعرض له من الإهمال والتشويه، تكون هي السمة والبصمة الأكثر وضوحًا وقوة المعبرة عن الشخصية العربية الإسلامية.

فهي الغنية ونحن الفقراء إليها، غنية بمفرداتها ومعانيها واستخداماتها، ونحن الفقراء؛ لأننا لم ننهل من هذا الثراء المعنوي والثقافي، وفي الوقت الذي لم نضف إليها شيئًا، فإننا نسهم في تشويه هذا الثراء ونهدر قيمته، يكفيها أنها اللغة التي تكلم بها سيد الخلق نبينا آدم عليه السلام، "وعلم آدم الأسماء كلها"، فضلًا عن أنها لغة كتاب الله "القرآن الكريم".

والتحية واجبة إلى عالمي النحو أبوالأسود الدؤلي، وسيبويه، اللذين وضعا قواعدها، فقد كانت تُكتَب  دون التنقيط والتشكيل بالحركات ومن دون الهمزة حتى منتصف القرن الأول الهجري، وانتشرت حتى بلغ عدد مفرداتها 12 مليون كلمة، بينما في اللغة الفرنسية تبلغ 150 ألفًا، والإنجليزية الأكثر انتشارا 600 ألف مفردة، ويزيد عدد الناطقون بها على 422 مليون شخص، وترتيبها الرابعة عالميًا، حيث اعتمدت الأمم المتحدة عام 1972، النصف الثاني من ديسمبر  للاحتفاء بها سنويا.

وبالرغم من أن "العربية" إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم، إلا أنها تحملت الكثير من إهمال واستخفاف وتجاهل أصحابها، والآخرين، بكافة أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية. 

وتأمل بعضًا من مفرداتها وكأنها تحمل معنى واحد: أتي: جاء من مكان قريب، قَدِم: جاء من مكان بعيد، أقبل: جاء راغبًا متحمسًا، حضر: جاء تلبية لدعوة، زار: جاء بقصد التواصل والبر، طرق: جاء ليلًا، غشي: جاء صدفة دون علم، وافى: جاء والتقى بالمقصود في الطريق، ورد: جاء بقصد التزود بالماء، وفد: جاء مع جماعة، وكانت أقصر كلمة عربية هي حرف "قِ" بالكسرة ومعناها الوقاية.

وبعد أن كانت مختلف الحضارات تستقي منها مفرداتها، إلا أن البحوث والدراسات العلمية اليوم تستقي غالبية مفرداتها من اللغات الأجنبية، فضلًا عن التقدم الرقمي الذي تستخدم مفرداته اللغة الإنجليزية في التطبيق والاستخدام، أما مواقع "الإنترنت" والتواصل الاجتماعي فحدث ولا حرج، وذلك يقلل دور العربية، فضلًا عما تقوم به الإدارات المحلية والمرافق العامة والأسواق والمقاهي والمعارض من دور نشط ومؤثر في تشويه وتغريب اللغة وتراجعها، وينعكس سلبا على هوية المجتمع، فأين الوزارات المعنية، والمحافظات؟ وأين هيئات التجميل؟ وأين الأحياء والبلديات؟

لاشك ان هبوط مستوى اللغة بانتشار التلوث اللغوي والسمعي والبصري هي سبب ونتيجة للتراجع في الأداء الإعلامي والثقافي والتعليمي، فالمناهج التعليمية في المدارس الرسمية أو الخاصة، وكذلك الجامعات تهمل العربية، كما تتبع طريقة الحفظ والتلقين، فضلًا عن غياب آلية تعليم معتمدة لتعلُّم اللغة.

وللحرف العربي ميزة، كما وصف الراحل الدكتور مصطفى محمود في كتابه بعنوان "عالم الأسرار"، قائلًا: "أن الحرف العربي بذاته له رمزية ودلالة ومعنى، فحرف الحاء مثلا نراه يرمز للحدة والسخونة.. مثل حمى وحرارة، وحر وحب، وحريق وحقد وحميم، وحنظل، وحرام وحرير، وحنان وحكة، وحاد.. بينما نجد حرفا آخر مثل الخاء يرمز إلى كل ما هو كريه وسيئ ومنفر، ويدخل في كلمات مثل: خوف وخزي، وخجل وخيانة، وخلاعة وخنوثة، وخذلان وخنزير، وخنفس وخرقة، وخلط وخبط، وخرف وخسة وخسيس، وخم وخلع وخواء".

ويستطرد د. محمود،"وقع في يدي كتاب عنوانه "اللغة العربية أصل اللغات.. والكتاب بالإنجليزية والمؤلفة هي تحية عبدالعزيز إسماعيل أستاذة متخصصة في علم اللغويات، تدرس المادة في الجامعة.. وعرفت أنها قضت عشر سنوات تنقّب وتبحث في الوثائق والمخطوطات والمراجع والقواميس.. والحديث عن ثراء العربية بمترادفاتها لا ينتهي، حيث تجد للأسد العديد من الأسماء، فهو الليث والغضنفر والرئبال والهزبر والضرغام والضيغم والورد والقسورة.. إلخ، ونجد كل اسم يعكس صفة مختلفة في الأسد، ونجد لكل اسم ظلالًا ورنينًا وإيقاعًا معبرًا".     
                                                         
جاء أبلغ بيت في شعر للمتنبي: “أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ – إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ"، وتُفسر كلماته «أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ» أي وجعٌ أحاط بي لم أعلم بمرضه، و«إِنْ أنَّ آنٌّ آنَ آنُ أَوَانِهِ» أي إذا توجع صاحب الألم حان وقت شفائه، وكذلك التقابل في المعنى، وكما في هذا التعبير البديع: "سَنة الود سِنةْ وسِنةْ الألم سَنة"، وأجمل ما قالته العرب بيت لا تتصل حروفه: زُرْ دَارَ وُدٍّ إنْ أرَدْتَ وُرُوْدَا ** زَادُوْكَ وُدًَّا أنْ رَأوْكَ وَدُوْدَا.

ولم يغب عن الوجدان ما ذكره أحمد شوقي: "ولد الهدى فالكائنات ضياء ** وفم الزمان تبسم وثناء..

وأهم لفظان في الدنيا هما الرحماء: بابا وماما فكلاهما عربي صحيح كما يوضح الجاحظ: الميم والباء أول ما يتهيأ في أفواه الأطفال، كقولهم، ماما بابا، لأنهما خارجان من عمل اللسان، وإنما يظهران بالتقاء الشفتين.

فهل حان الوقت ليبتهج القلب وتلتقي الشفتان والعقل والفؤاد نطقًُا وإحساسًا وفخرًا بلغتنا لكي نعيد لها مكانتها المفقودة، لينتهي معه اغترابنا عن حضاراتنا.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة