أماني القصاص تكتب: "يعني إيه راجل"؟

25-12-2021 | 11:49

قد لا نحتاج في مجتمع آخر غير مجتمعنا المصري أو العربي لطرح مثل هذا السؤال البديهي المراوغ: "يعني إيه راجل"؟ سؤال جاد جدًا ليس فانتازيًا وليس مقصودًا منه الفرق بين نوعي الجنس البشري من ذكور وإناث، لكنها تساؤلات للفهم، ماذا تعني كلمة (رجل) وليس ذكر له صفات فسيولوجية وبيولوجية محددة.

لكن رجل أو رجال بدلالات تلك السلوكية والنفسية؛ خاصة وأننا أسرى لضجيج يومي يحمل معاني مختلفة لصاحب هذا اللقب أو للمحروم منه، وكأنها رُتبة تُمنح وتُمنع حسب الأهواء في مجتمع أصبح كالسيرك، البطولة فيه لمروض الأسود، بالكاد يعيش فيه المهرج المتخفي وراء أصباغه مرتعبًا من أن يلقي به أحدهم لحيوان متوحش اسمه: التقاليد، او التحولات الاجتماعية المجنونة، أو الأزمات الاقتصادية التي دقت أعناق الرجال، أو سوء التربية مع التوقعات الطامحة للرجل السوبر الحاصل بجدارة على لقب (رَجُل)، والسوبر مرادفها غالبًا "الغني" أو "ابن الناس" ذو الحسب والنسب، وإذا وجدناه قد نبكي من سوء التصرفات والأخلاق وافتقادنا للقيم التي لم نبحث عنها منذ البداية وافترضنا وجودها ضمنيًا، فنقرر بعد التجربة بأنه رغم الوضع الاجتماعي والغنى ليس رجلًا!!

في مصر نجد مرادف كلمة رجل كلاشيهات محفوظة ذات معانٍ مطاطة تائهة؛ رجل يعني سند، رجل يعني يتحمل المسئولية مهما كانت، رجل يعني لديه أخلاق وشرف وضمير، ظله أأمن من ظل الحيطة، حامي الحمى ذو القوامة والإنفاق.

- وللأسف كل الكلمات الرنانة الفضفاضة لم ترشدنا لشيء ولم تخبرنا أسباب تراجع كل هذه الصفات الرائعة عن معظم الذكور رغم الضجيج الاجتماعي والديني والصراخ بالقوامة والتحكمات والأفضلية القدرية للرجال؛ حسب ما يروج علماء الدين بتفاسيرهم الخاصة للنصوص، لكن بنظرة سريعة على صفحات الحوادث لعدة أيام لنجد سيركًا أو جنونًا تحت مسمى (أسرة) أو علاقة اسمها زواج بين رجل وامرأة ، مثلًا:
ضرب الزوج زوجته لتأخرها في تحضير العشاء فقتلته!!

أب يقتل زوجته وأبناءه لفشله في توفير نفقات الدراسة!!

- زوج يتفق مع عاطل أن يغتصب زوجته (الطالبة بكلية الطب والتي أنجبت له طفلًا منذ شهور)، ويصورها عارية ليشوه سمعتها ليتمكن من الزواج عليها، وعندما تقاوم الزوجة المغدورة يقوم رسول الزوج بقتلها وهي ابنة العشرين عامًا.

- عشرات القضايا يوميًا بين القتل والاغتصاب والتحرش والخسة والطلاق؛ الذي أصبح في مصر كل دقيقة!! والبطولة في كل هذا لغياب أشياء كثيرة على رأسها أخلاق الرجال برغم الضجيج والتغني وحصد المكتسبات. 

- لا أستطيع هنا الإجابة عن معنى كلمة رجل لكنني على يقين من العكس؛ أي: من ليس رجلًا!

- من يتطاول علي شقيقته ليبرر نقصه أو فشله أو بغرض حصوله على ميزة اجتماعية أو مادية من وراء قهرها: ليس رجلًا.

- من يتخلى عن أمه أو عن شقيقته أو شقيقه أو صديقه المقرب وقت الحاجة (حتى لو كانت المساندة معنوية وليست مادية إن لم تتوافر الإمكانات المادية): ليس رجلًا.

- من يتطاول على زوجته أو يضربها أو يقهرها ليسترضي غيرها حتى لو كانت أمه أو أسرته: ليس رجلًا.

- من يهين امرأته ويجبرها على الطلاق منه نتيجة استحالة عشرته، ثم يتهرب من الإنفاق على أبنائه أو رعايتهم ليعذبها هي، بالقطع ليس رجلًا.

- من يسرق ميراث شقيقاته أو أبناء أخيه المتوفى أو حقوق أي إنسان - غير أنه آثم دينيًا - فهو أيضًا: ليس رجلًا.

- من لا يعمل وهو يستطع العمل، وينتظر غيره ينفق عليه، ثم يتطاول على المنفق ليبرر لنفسه ولغيره سوء سلوكه: ليس رجلًا.

- من يتزوج سيدة فاضلة ويلهث وراء أخريات ليثبت لنفسه أي شيء: ليس رجلًا، من يفشي أسرار زوجته أمام الناس أو يتحدث عن نقائصها حتى لو كان صادقًا - وسواء فعل ذلك أثناء الزواج أو بعد الطلاق - ليس رجلًا.

- فمن الغريب اليوم أننا نجد شخصيات شهيرة تتباهى بفضح عورات حياتهم على الملأ، برغم أننا لم نسألهم ماذا حدث؟ ولم نطالب الطرف الآخر بتبرير موقفه أو التحقيق وراء من المذنب البادئ بالخراب.

فمثلًا فنان شهير يطلق زوجته غيابيًا، ويعايرها بأنه اشترى لها ملابس جديدة على مدار أربع سنوات تزوجها بها، وهي بالطبع لم تقصر في الفضائح!!

وأيضًا وجدنا فنانة تخرج علينا بعد أن حلقت شعرها، (كما تفعل النساء السوقيات في المصائب) وتصرح في وسائل الإعلام المصرية والعربية أن زوجها الثالث ليس رجلًا، ويعتمد على نقودها، وكأنها اكتشفت عدم رجولته فجأة؟!

- من يَعد ويخلف، من يكذب، من يدعي ما ليس فيه ولا يقدر عليه ليس رجلًا.

القائمة طويلة لمعدومي الرجولة وأشباه الرجال، ولا نملك الآن تقديم أي إجابة، فقط إطلاق أسئلة عسى أن نجد مجيبًا أو باحثًا في الظواهر الاجتماعية يفيدنا في هذا الأمر المهم جدًا، وعلى رأي عمنا بيرم التونسي: 
"دي مصر عاوزه رجالة مش عاوزه عيال"!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
أماني القصاص تكتب: الله يدعو

في كل يوم وساعة يدعونا الله، ويفتح لنا أبواب القرب والود والقبول، له بالطبع أيام أقرب من أيام وأفعال أقرب من أفعال وكلمات أقرب من كلمات، يرشد أرواحنا بوصايا ورحمات جميعها لوصل واتصال وود ومحبة

أماني القصاص تكتب: طلاق غيابي

منذ أيام وفي خطاب هام أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي علي تعجبه من انتشار دعوات تحقير المرأة لدرجة السماح بالاعتداء عليها أو ضربها، رغم أن حضارتنا وأخلاقنا ودياناتنا تمنعنا عن ذلك

أماني القصاص تكتب: صناعة التفاهة

خبر عاجل في جريدة مهمة يتساءل: كيف حافظت عروس الإسماعيلية على مكياجها بعد أن ضربها العريس وأهله وسحلوها - لقاء خاص مع الكوافيرة

أماني القصاص تكتب: اضربوهن

لماذا نجادل اليوم في رجل يريد تربية زوجته وإجبارها على طاعته واحترامه والخوف منه؟ ومن الذي يمنع الزوج عن ضرب زوجته

أماني القصاص تكتب: أصحاب السينما

ضجة عارمة أثارها فيلم أصحاب ولا أعز المعروض علي منصة نتفلكس بسبب جرأة موضوعه وطريقة تناولها، لم أشاهد الفيلم للأسف ولم أقف عنده كثيراً لكن توقفت عند طوفان التأييد المطلق

أماني القصاص تكتب: الدولة والمعيلات

شابة مصرية لا توفق في زواجها رغم إنجابها أربعة أطفال أكبرهم ثمانية أعوام والأصغر عامان، كالمعتاد يتخلى الرجل عن الأسرة وتُجبر المرأة أن تتولى رعاية الأربعة

أماني القصاص تكتب: تساؤلات حول واقعة معلمة الدقهلية .. والتعليم أيضًا

سيدة شابة جميلة، تتطوع وتجتهد وتعلم أبناء الناس في إحدى المدن الحكومية المصرية، وتحصل على جائزة المعلمة المثالية بإجماع الآراء، تخرج السيدة ذات يوم في

أماني القصاص تكتب: الأخ بين المفترض والواقع

ألقتْ بكَ المقادير في يمِ الحياة طفلًا يتيم الأبوين فقيض الله لكَ أختًا ما كانت امرأة سوء ولا بغيًا، بصرت بك عن قربٍ وأنت لا تشعرْ

شيرين وغرفة التذكارات السوداء

نحمل ما اختبرناه في طفولتنا على أكتافنا طوال حياتنا، فالطفل الطبيعي بين أسرة سوية يهون حمله في الحياة مهما واجه بعد ذلك، والطفل المعذب يظل حمل الألم يؤرقه طوال عمره،

أماني القصاص تكتب: الدولة المصرية وواحة سيوة

طريق طويل يبعدنا عنها، سمعت كثيرًا عن عدد ساعاته وصعوبته، وعن مطار موجود قد يعمل أحيانًا بشروط صعبة، ورحلات توقيتاتها غير محددة وبأسعار مبالغ فيها