طالعنا مؤخرًا بسعادة غامرة ما تم الإعلان عنه خلال المؤتمر العام السادس والعشرين للمجمع العربي للموسيقى برئاسة وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس المجمع بحضور أمين المجمع الدكتور كفاح فاخوري ومديره الدكتور هشام شرف الذي عقد عبر تقنية الاتصال المرئي - بسبب جائحة كورونا - فقد قرر أعضاء المجمع التابع لجامعة الدول العربية بالإجماع تمديد ولاية رئيس المجمع الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة ثقافة مصر لمدة أربع سنوات جديدة.
وعمت الفرحة الأوساط الثقافية والفنية ابتهاجًا بهذا الفوز الذي نالته مصر تأكيدًا لريادتها ومكانتها الرفيعة، وهذا المجمع لمن لا يعرف كنهه وأهميته ودوره المحوري في العناية بكل ما يتصل بموسيقى عالمنا العربي نشير إلى نبذة تعريفية به في مفتتح حديثنا عنه فهو: "هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بأمانتها العامة، يعنى بشئون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديدًا بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به، كما يعنى بالاختصاصات الآتية: البحوث والدراسات الموسيقية، والتخطيط الموسيقي، والتربية الموسيقية، وتطوير المهن الموسيقية، والدفع بالإعلام والنقد الموسيقيين الموضوعين وكذلك بوسائل الاتصال، والتشجيع على تصميم البرمجيات الحاسوبية المرتبطة بالموسيقى العربية وكذلك بالتصنيع."
إنه بحق صرح ضخم يقوم بأعمال جلل ومهمات ثقيلة تتعهدها نخبنا من رواد وعلماء الموسيقى العربية كما سنوضح، أما عن نشأة المجمع فقام على يد نخبة ممن لهم الريادة الموسيقية في المنطقة العربية حين استشعروا الاحتياج الشديد والملح إلى عمل ضميم مع المؤتمر الأول للموسيقى العربية في العام ١٩٣٢م، فالمؤتمر عمل على: "جمع نخبة من كبار الموسيقيين العرب والمستشرقين وعلماء الموسيقا الغربية ومؤلفيها الذين سحرتهم ثقافة المنطقة العربية الضاربة في عمق التاريخ، فقاموا بالتباحث في ماضي الموسيقا العربية ومستقبلها وحددوا استراتيجيات كان على المجمع بعد ذلك أن يطورها ويفعلها.واستجابت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية للاقتراح المقدم من رؤساء وفود الدول العربية المشاركة في المؤتمر الدولي للموسيقا العربية المنعقد في بغداد عام 1964 حول إنشاء المجمع العربي للموسيقا. وأدرج الاقتراح في جدول أعمال مؤتمر الموسيقا العربية المنعقد في فاس بالمغرب عام 1969 والذي أوصى مجلس جامعة الدول العربية بالموافقة على إقامة المجمع.".
وتمت الموافقة على إنشاء المجمع العربي للموسيقا في الدورة الثانية والخمسين من مجلس الجامعة المنعقدة في العام نفسه.وقرر مجلس جامعة الدول العربية في دورة انعقاده الستين عام 1973 استمرار نشاط المجمع العلمي والفني في كنف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وتمت الموافقة على قرار مجلس الجامعة من المجلس التنفيذي للمجمع الذي أقيم في تونس عام 1974 .
يضم المجمع العربي للموسيقى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ممثلة بمندوب مختص عن كل بلد. وللمجمع أنشطة كثيرة أهمها الإصدارين القيمين أولهما :مجلة البحث الموسيقي العلمية المحكمة،وثانيهما مجلة الموسيقا العربية الإلكترونية.كما يعمل على تطوير المكتبة الموسيقية بما تنطوي عليه من كتب وأبحاث وتسجيلات الأطروحات علميةومخطوطات،وغير ذلك مما يعود بالنفع عل الباحثين في الحقل الموسيقي.
ويمنح المجمع العربي للموسيقا الجوائز وشهادات التكريم للمتميزين والمؤثرين في مجال الموسيقا ممن نذروا حياتهم لخدمة الموسيقى العربية الأصيلة والارتقاء بها.
وينظم المجمع كل سنتين مسابقة دولية في التأليف الموسيقي العربي، تهدف تشجيع المؤلفين الموسيقيين على التقدم بمؤلفاتهم الموسيقية المبتكرة التي تنهل من معين التراث الموسيقي العربي الأصيل.
كما يحرص على إقامة المؤتمرات والملتقيات والندوات وكافة الاجتماعات بمقراته لتكون منطلقا للحوار وتبادل المعلومات والخبرات بين الدول العربية بشأن ما ينجز من أعمال تنهض فنيا بالمقدم على الساحة موسيقيا وانطلاقًا من ذلك يرصد المجمع الحياة الموسيقية في العالم العربي من خلال المجلس التنفيذي، ويوثق المجمع ما يقوم من فعاليات في كتب متخصصة.
وهو دائم السعي للاضطلاع بمشاريع ودراسات تصب في اهتمامات كل العناصر المشاركة وتصدر عن المجمع الأشرطة والأسطوانات التي توثق عيون الموسيقى العربية من أغان نادرة وألحان، كما يركز على تقديم الدعم للمواهب الشابّة.
وغير ذلك كثير من الأنشطة التي يتبناها المجمع مما يتطلب بذل جهود متضافرة بين أعضائه من الدول العربية المختلفة تحت مظلة جامعة الدول العربية، فهو يضطلع بدور بالغ الأهمية في الحفاظ على موسيقانا العربية والنهوض بها وتوثيقها والاحتفاء بتراثها ومبدعيها، والعمل على الدفع بالإمكانات الداعمة لإنجاح هذا المجمع في تحقيق أهدافه المنشودة والتي تنص عليها لائحته التنفيذية.
ولأهمية الدور الذي تلعبه مصر على الساحة الفنية عامة والموسيقية بخاصة حصدت الفنانة العالمية عازفة الفلوت الأولى الدكتورة إيناس عبد الدايم- فخر أكاديمية الفنون المصرية العريقة- التي يشار إليها بالبنان أينما حملت آلتها وهمت بها عزفًا، هذا المنصب الرفيع لترفع رأس مصر عاليًا بنبوغها الفني، وتلاوين من الثقافة الموسيقية العربية والغربية الذي انحنت له هامات أشقائنا من الدول العربية من كبار الفنانين والرواد؛ ليقع الاختيار إجماعًا غير منقوص؛ فهو بحق تكريم للفن المصري تلقفت مهمة صونه والحفاظ عليه، وهي الجادة القديرة على حمل المهمات الثقال بموهبتها الربانية وإخلاصها ودأبها ووطنيتها.. هنيئا لمصرنا المحروسة حصد هذا المقعد الرئاسي لهذا المجمع لينضاف إلى مقاعد كثيرة تشغلها المرأة المصرية وتتبوأها ريادةً واقتدارًا.
أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر