مهندس معماري مصري عبقري، رائد من رواد التخطيط العمراني في العالم العربي، خبير تخطيط المدن، رشحته الأمم المتحدة لتخطيط كبرى المدن العربية في السعودية فتحقق حلمه وهو المشاركة في تخطيط المدن المقدسة، واختارته أيضًا لتخطيط مدينة أبوظبي فأثبت كفاءته المعمارية فأصبحت مدينة تواكب العصر وفق أحدث المخططات العمرانية.
الدكتور المهندس عبدالرحمن مخلوف ابن الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق، وحفيد الشيخ محمد حسنين مخلوف عضو هيئة كبار العلماء، وأحد كبار مشايخ الأزهر، لكنه لم يسلك الطريق نفسه، والتحق بالمدراس النظامية بدعم من إخوته الكبار.
ولد عبدالرحمن مخلوف سنة 1924م، وبعد إنهائه الدراسة الثانوية بتفوق التحق بكلية الهندسة قسم العمارة بجامعة فؤاد الأول "القاهرة" وتخرج فيها 1950م وعين معيدا بها.
سافر مخلوف إلى ألمانيا ليحصل على الدكتوراه في العمارة من جامعة ميونيخ 1957م، وخلال تلك الفترة زار المدن الأوروبية للتعرف على أسرار نهضتها والتعرف نظريًا وتطبيقيا على تصميم المدن بها وفي أمريكا واليابان وآسيا.
بعد عودته إلى مصر تم تعيينه بجامعة القاهرة إلى أن تم انتدابه للعمل في هيئة الأمم المتحدة خبيرًا في تخطيط المدن.
طلبت المملكة العربية السعودية سنة 1959م من الأمم المتحدة خبيرًا في تخطيط المدن على أن يكون مسلمًا فتم ترشيحه لإعداد التخطيط العمراني لمدن جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة وينبع وجيزان، وهنا تحقق حلمه بالمشاركة في تخطيط الأراضي المقدسة.
مرة أخرى عاد الدكتور مخلوف إلى القاهرة 1964م أستاذًا في الجامعة، ووضع مخططًا مستقبليا للقاهرة والجيزة كإقليم عمراني متكامل، واقترح إنشاء مدن صحراوية على طريق السويس والفيوم، كما اقترح إنشاء طريق دائري حول القاهرة الكبرى، ولكن لم ينفذ هذا المقترح لاعتراض الخبراء الروس في تلك الفترة بحجة أنه سوف ينفي صفة الاشتراكية عن القاهرة، وكتبوا على الدراسة تأشيرة نصها "تصميم لمدينة ملاهي" طبعًا لا تعليق!!
استمر دكتور مخلوف في عمله وعين أستاذًا لتخطيط المدن، وأدخل تطويرًا على منهج تخطيط المدن بأقسام العمارة بجامعات القاهرة وأسيوط والأزهر، ثم انتدب مديرًا عامًا لإدارة التخطيط العمراني للقاهرة الكبرى وأنشأ الهيكل التنظيمي للجهاز التخطيطي والتنفيذي وأشرف على إعداد التخطيط التمهيدي للقاهرة الكبري 1966م وقام بإعداد التخطيط العمراني لمنطقة شبرا الخيمة الصناعية.
عندما تولى الشيخ زايد حكم إمارة أبوظبي 1966م قبل قيام الدولة الاتحادية، وكان يطمح في إنشاء مدينة تعبر عن أصولها التاريخية ما قبل اكتشاف البترول وفي نفس الوقت تكون مدينة عصرية متطورة تواكب المدن الكبرى، فطلب من الأمم المتحدة سنة 1968م ترشيح خبير لتخطيط المدن على أن يكون التفاهم معه لا يحتاج إلى مترجم فاختارت الأمم المتحدة المخطط المصري عبدالرحمن مخلوف للقيام بهذه المهمة.
وعن لقائه الأول بالشيخ زايد كما ذكر في كتابه "رحلة العمر مع العمران.. نصف قرن تخطيط المدن": أن الشيخ زايد سأله "ايش ناوي تسوى، تعطي لنا خرائط وتقول يجب تنفيذها أم ستقوم برسم ما نبغاه يا دكتور؟" فكان رده: "لكل خارطة بدائل كثيرة فاختاروا منها ما يناسبكم وما نتفق عليه"، فسر الشيخ زايد لهذا الرد وبدأت مسيرة العمل.
وعلي الفور عين دكتور مخلوف مديرًا لتخطيط المدن في إمارة أبوظبي ثم قام بتأسيس دوائر تخطيط المدن في أبو ظبي والعين، وإعداد المشروعات التفصيلية والتنفيذية لمدن إمارة أبوظبي والإشراف على تنفيذها وذلك خلال الفترة من 1968-1976م. وفي 1972م أسس المكتب العربي للتخطيط والعمارة الذي أنجز العديد من المشروعات التخطيطية في دولة الإمارات، كما انتدب أستاذًا محاضرًا في كلية الهندسة بجامعة الإمارات من 1983-1985م للاستفادة من علمه وخبراته.
ومن ضمن مشروعاته المميزة بأبوظبي حرصه على حفر قناة حول جزيرة أبوظبي لتسيير الملاحة حولها، وتعميق المياه الضحلة لتخفيف نسبة الرطوبة، واستخدام نتائج الحفر في إضافة أراض عمرانية بجزيرة أبوظبي مما أضفى على المدينة طابعًا جماليًا مميزًا لدرجة أنها اختيرت من أجمل المدن العربية سنة 2005م.
كرمت دولة الإمارات دكتور مخلوف عدة مرات كان آخرها في 2010م بمنحه جائزة أبوظبي تقديرًا لما قام به من نقلة حضارية مع التمسك دومًا بالأصالة في التخطيط العمراني؛ باعتبارها عنصرًا ضروريًا لا يمكن الاستغناء عنه إذ إنها بمثابة احتفاظ بالبصمة التاريخية.