كانت تجربة لطيفة وخفيفة، عشتها فى مؤتمر صناعة الإبداع الثاني عشر المقام في القاهرة.. حين قدم رودريجو جارسيا جونزاليس ومعه شريكه، بيير باسلير فكرة رائدة حققت طفرة في صناعة تغليف المنتجات من خلال توفير أغلفة عبوات ومنتجات تكون هذه الأغلفة قابلة للأكل والتحلل.
الفكرة كانت استخدام أعشاب البحر أو خشب البحر seawood كبديل للبلاستيك في تغليف المنتجات.. بعد معالجته بطريقة علمية.. تجعله يتحول إلى اللون الشفاف تمامًا مثل البلاستيك.
يمكن بعد ذلك تصنيعه بطبقات رقيقة نغلف بها الأغذية والأطعمة وخاصة المشروبات والمياه.. لأن أغلب النفايات البلاستيكية تأتي من زجاجات المياه.
ولأن "سي وود" هو عشب بحري فهو إذن قابل للتحلل في الطبيعة دون أن يُخلف أى ضرر على البيئة مثلما يفعل البلاستيك.. كذلك لأنه عشب فهو قابل للتناول مع المنتج ذاته.
هذه الفكرة البسيطة العبقرية قد ضمنت ملايين لصاحبيها، بالإضافة إلى أنهما أسهما في حل المشكلات البيئية الناتجة عن المخلفات البلاستيكية، وهو ما جعلهما يحصلان على جائزة التكنولوجيا العالمية من مجلتي فورتشن وتايم.
خلال عرضهما قدما شرحًا لما أسهما فيه في مدينة لندن مقر عملهم.. فضمن ما فعلوه، وفرا خلال ماراثون لندن مياه الشرب للعدائين دون أى ضرر على البيئة.. كان المتطوعون يقفون بأكياس المياه المغلفة بأعشاب البحر ويناولونها للعدائين العطاشى وبعد تناول المياه من داخل الأكياس لا ضرر من رميها على الأرض لأنها ستتحلل فى وقت قريب.
ومثلما نستخدم التغليف القابل للتحلل مع المياه يمكننا استخدامه في العصائر.. وفي تغليف أكياس الشاي والقهوة، وليس علينا إلا وضع الكيس بما يحويه داخله كاملا فى الكوب الساخن ومع التقليب سيختفي الكيس ونحصل على ما نرغب ونريد بكل بساطة ويسر.. دون إزالة فتلة الشاي من الكوب.. وما فعلناه فى المياه والقهوة والشاي يمكن تكراره في العصائر وأكياس الكاتشاب.. وربما يأتي يوم نستخدمه فى أكياس الدقة فى مطاعم الكشري فى المحروسة.
توقف العرض للحظات وشرع رودريجو وبيير في توزيع أكياس مشابهة على الحضور الذي لم يكن والذي كنت أحدهم.. قدما كيسا مملوءًا بالمياه له طعم البرتقال.. تناولت الكيس بحرص شديد وخوف.. لولا أن رودريجو على المنصة تناوله لم أكن لأفعل.. كان طعم الأكياس التي ليست بلاستيكية غير مستساغ بعض الشيء لكنها ليست رديئة.. هي تشبه غلاف حبة العنب الكبيرة التي تأكلها بمفردها بعيدًا عن الحبة نفسها.
حرصي على التجريب محبة للعلم.. ومحبة للعلماء الذين يغيرون وجهة الأرض للأفضل ووجه الحياة للأحسن.. عرض علي النادل - الممثل بأكياس العصائر والمياه - كيسًا آخر لكنني رفضت، واكتفيت بتجربة أكل وشرب كيس واحد فقط.
الثناني استكمل العرض وقالا إنهما حصلا على تمويل من أحد المواقع المخصصة لجمع التمويلات والتبرعات، وصل إلى نحو 850 ألف جنيه إسترليني.. وبعد فترة وصل رأس مال شركتهم إلى نحو 3 ملايين جنيه إسترليني.
الرقم يدعونا للتفكر كيف أن المجتمع المفكر والعلمي والواعي يدعم العلم والعلماء والباحثين والمخترعين، وكيف يقدم لهم الدعم المباشر والكافي للقيام بأبحاث تسهم فى نظافة المجتمع والعالم.
توقفت أمام رقم التبرعات مرة أخرى، لأنه نتج من 900 فرد فقط، أي بمتوسط أقل من 1000 جنيه إسترليني.. والمعنى أن هناك من يعتبر الألف جنيه إسترليني زكاة للعلم وللعلماء وللعالم كله.
التقيت بهما بعد نهاية المؤتمر، تحدثنا قليلا عن بداية مشروعهما وكيف بدآه؟!.. شكرتهما، ورحبت بهما فى القاهرة.
وأشرت إلى عبقرية شعار الشركة التي اتخذوه حين اسموه notpla والمعنى أن منتجهم ليس "بلاستيك".. وكيف رسموا الشعار مقضوما عند حروف التي والبي والإل، كأنه يتحلل أو يتلاشى مثل منتجهم.. عبقرية أخرى فى التصميم تضاف إلى عبقريتهم في الاختراع.
وانصرفت أفكر في حال الآلاف من أكياس الكاتشب وعلب الكشري وعلب الأغذية التي تجتاح شوارعنا وقرانا وتدمر بيئتنا ومجتمعنا.. ومتى يمكن أن نرى مشاريع وأفكارًا مشابهة.
العلم قوة.. والقوة دائمًا تأتي لمن يمتلك العلم.
تويتر:@AhmedTantawi