ليس ضربا للودع.. ولا قراءة للفنجان.. القول أن متحور أوميكرون ربما يكون في طريقه إلى مصر، فقد أكدت التجارب السابقة مع فيروس كورونا أن أحدًا ليس في مأمن منه وإن تأخر وصوله، ولا في منأى عن خطره وإن تعايش معه - حتى إن الدكتور عوض تاج الدين مستشار الرئيس للشئون الصحية قال في تصريحات له اليوم "أن متحور أوميكرون قادم لا محاله" - فهو وباء استثنائي في ظهوره وتحوراته هيكله وأعراضه وأسبابه ومسبباته..
عامان على ظهوره وها هو يتحور مرات وطفرات الواحدة أشد فتكًا من الأخرى.. ومصر بعناية من الله وبحكمة قيادتها وكفاءة أجهزتها تجاوزت الموجات السابقة والتحورات المتلاحقة والمواجهات العاتية مع هذا الفيروس اللعين ونجحت فيما فشلت فيه دول كبرى.. حاصرت الوباء، ووفرت الأجواء لاستمرار مسيرة التنمية والنماء.. فتحت الاقتصاد حين أغلق العالم، وقدمت نموذجًا يحتذى شهدت به كبرى المؤسسات الدولية لتسيير عجلة العمل في ظل حصار الوباء.. ونجحت في إنشاء مخزون من اللقاحات يكفي ويفيض عن احتياجات التطعيم لجميع المواطنين، بل قامت بتدشين مصنع يعد الأول من نوعه بالمنطقة لتصنيع اللقاحات..
نعم مصر قدمت تجربة فريدة في معركة عصفت بالنظم الصحية لأكبر الدول.. ولعل مشاهد الموتى في الشاحنات الأمريكية وصور المصابين الذين امتلأت بهم المشافي والطرقات في كبرى الدول تؤكد أن الملحمة المصرية في مواجهة كورونا بالفعل تستحق أن يتوقف عندها العالم بالدرس والتحليل ..
ويقينا أن هذه التجربة أمام اختبار جديد لأن المسئولية الاجتماعية والوطنية الواجبة على كل مواطن تفرض علينا جميعًا العودة بتشدد إلى الإجراءات الاحترازية التي أهملناها، ولعل مشاهد التجمعات الجماهيرية والسلوكيات الفردية والزيارات الجماعية لا بد أن تشكل لنا جرس إنذار حتى نتفادى سيناريو لا نتمناه.
وخلال الفترة الماضية أثبتت التجربة أن ارتداء الكمامة والتباعد والحذر في التعامل هي أهم الأسلحة في هذه المعركة، وأظن أن الغالبية العظمى من المواطنين أصبح لديهم من الوعي بمخاطر الفيروس ما يجعل مصر في منأى عن مخاطر هذا الفيروس، يتوازى مع ذلك حملة اللقاح التى تقوم بها الدولة والتي يجب أن يتعاطى معها الموطنون بجدية ترتفع إلى مستوى المسئولية التي تفرض على الجميع تلقي اللقاح، فلا يعقل أن نسبة التطعيم لم تتجاوز 50 بالمائة رغم توافر اللقاحات، وفي هذا السياق يقع على كاهل الدولة التشدد في تطبيق القانون الخاص بالإجراءات الاحترازية والتطعيمات حتى نكون في استعداد تام للمواجهة في حال وصول المتحور الجديد أو أي متحورات أخرى – لا قدر الله –
.. كل المؤشرات تشير – حتى الآن - إلى أن اللقاحات الحالية في العالم يمكن أن تكون كافية للتعامل مع المتحور الجديد إذ إنه لم تسجل حتى اليوم أية حالات وفاة بسبب هذا المتحور، مما يشير إلى أن الأجسام المضادة الناتجة عن اللقاحات قادرة على صد هجوم متحور أوميكرون، ورغم ذلك فإن حالة الاطمئنان الكاملة تأتي بعد انتهاء الأبحاث الخاصة بالمتحور الجديد إذ إن هناك 400 باحث في العالم يعكفون حاليًا على دراسة المتحور وطفراته الكثيرة في محاولة للتوصل إلى نتائج واضحة وحقائق ثابتة حول ماهية هذا المتحور تؤكد مدى فعالية اللقاحات الحالية في مكافحته.
الدرس الأهم في تحدى المتحور الجديد أنه وضع العالم أمام اختبار جديد وكشف عن اختلال واضح في موازين القوى الدفاعية في مواجهة الفيروس إذ إن الدول المنتجة للقاحات التي كانت تعتبر نفسها محصنة ضد خطر الفيروس بعد تلقيح مواطنيها وحرمت الدول الفقيرة من الحصول الكافي على هذه اللقاحات، وجدت نفسها - فجأة - مرة أخرى في مرمى متحور الفيروس الذي وجد في الدول المحرومة من اللقاحات حاضنة له كي يتحور بصورة أكثر شراسة، ثم يقوم بموجة هجومية جديدة - خالفت كل التوقعات وضربت كل الحسابات - ضد الجميع وبات العالم مجبرًا على إعادة توزيع خريطة اللقاحات لضمان وصولها للجميع حتى يتم قطع الطريق أمام الفيروس وحصاره؛ لأن الحقيقة الدقيقة التى تجاهلتها الدول المتقدمة أن تمكين الدول الفقيرة من اللقاحات سيعود عليها هي بالنفع عبر ضمان استمرار تدفق منتجاتها إليها تارة وعدم انتقال الفيروس ومتحوراته إليها مرة أخرى.
إن دول العالم لم يعد في مقدورها العودة إلى الإغلاقات الاقتصادية التي أصبحت تشكل خطرًا على الشعوب ولا تزال تداعياتها تضرب الدول عبر موجات غير مسبوقة من التضخم والركود وارتفاعات مفزعة في معدلات البطالة، وربما تشهد المرحلة المقبلة تداعيات أشد قسوة، وبالتالي فإن الدول لا تملك رفاهية الإغلاق مرة أخرى، ولم يعد أمامها إلا طريق المواجهة الجماعية للفيروس ومتحوراته.
حفظ الله مصر من كل سوء
