الأزهر.. سواء كان الجامع الأزهر الشريف أو حي الأزهر، فإنه يعني الأصالة، العراقة، التاريخ، الحضارة الإسلامية، الدين، العلوم، الفنون، يعني مصر الفاطمية.
وحى الأزهر هو حي الوراقة والكتب الإسلامية وحي الصاغة والصناعات الفنية المتوارثة عن الأجداد يجمعها خان الخليلي، وبالقرب منه أسواق العطور والعطارة والنحاس والحبال والمقاهي والمطاعم.
يبدأ تاريخ الجامع الأزهر - وكان يعرف بـ"جامع القاهرة" - مع نشأة القاهرة منذ وضع جوهر الصقلي اللبنات الأولى لأجمل مدينة في العالم؛ لتكون مقرًا لحكم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، وتكون عاصمة للدولة الفاطمية، شيده الفاطميون لنشر المذهب الشيعي، أقيمت فيه الصلاة لأول مرة في 7 رمضان 361 هجرية – 22 يونيو 972م ن وتعاقب الخلفاء الفاطميون على حكم مصر التي شهدت في أثناء تلك الفترة سنوات من الانتعاش والازدهار في العمارة والفنون وأيضًا فترات من الضعف والفتن والمجاعات أدت إلى انهيار دولة الفاطميين 1171م.
وجاء صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية القائد المسلم السني وقضى على المذهب الشيعي في مصر، فأوقفت خطبة وصلاة الجمعة بالجامع الأزهر لمدة 100 عام أي قرن من الزمان، وكانت خطبة الجمعة تقام بجامع الحاكم أو الجامع الحاكمي أول شارع المعز عند باب الفتوح، إلى أن أعاد الظاهر بيبرس خطبة وصلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر على المذهب السني، وقرر أربعة قضاة بمصر وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي بعد أن كان القاضي شافعيًا فقط، وذلك بعد أن سئل عن أمر فامتنع من الدخول فيه.
وكان صلاح الدين الأيوبي قد عزل القضاة الشيعة واستناب قضاة شافعية في جميع أرجاء مصر، وعمل بمقتضى مذهب الإمام الشافعي وأنشأ مدرسة للشافعية وأخرى للمالكية وأصبح الناس في مصر على مذهبي مالك والشافعي.
وخلال حكم المماليك أعيدت للأزهر أوقافه، وتم تجديد بنائه والاهتمام به وبمدارسه وأروقته التي أصبحت سكنًا لطلابه.
وفي عهد السلطان برقوق تم تعيين أول ناظر للأزهر، وكان يتم اختياره من كبار رجال الدولة والأمراء والأغاوات، وكان ينوب عن الحاكم في الإشراف على شئون الأزهر ماليًا وإداريًا وكل ما يخص أهله.
في العصر العثماني كان الأزهر مستقلًا في ممارسة دوره وليس تابعًا للسلطة كما كان الحال أيام الفاطميين، ولم تتدخل الدولة العثمانية مطلقًا في شئونه فكان مشايخ الأزهر يقومون باختيار شيخهم ثم يبلغون الوالي العثماني باسمه.
وحدث وأن احتج الشيخ أحمد العروسي - وكان شيخ الأزهر 1778-1793م - على موقف أحمد أغا الوالي العثماني عندما أساء الى أهل الحسينية، وانتهى الأمر بعزل الوالي وتعيين "والي" جديد والذي حضر إلى الأزهر واسترضى المشايخ.
الشيخ محمد الخراشي أول من تولى مشيخة الأزهر من 1656-1690م عرف بالتواضع وعفة النفس وحسن الخلق والزهد، وكان كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم، ومن هنا جاءت كلمة "يا خراشي" يقولها الناس استنجادًا به لما عرف عنه من تقديم المساعدة والعون.
ومنذ أن تم اختيار الشيخ الخراشي وحتى تولى الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر 2010م، تعاقب على المشيخة أربعة و أربعون شيخًا على مدى 355 سنة.
كان لمعظم مشايخ الأزهر مواقف واضحة وصريحة تجاه السلطة والحاكم تؤكد استقلالية الأزهر، فأثناء الثورة العرابية 1882م أصدر الشيخ شمس الدين الإنبابي فتوى أعلن فيها أن الخديو توفيق لا يصلح أن يكون حاكمًا للمسلمين بعد أن باع مصر للأجانب، كما كان لهم مواقفهم الوطنية في مقاومة الاحتلال وقيادة الثورات وأدوار بارزة في الإصلاح والتنوير.
تأثر الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي بمنهج الشيخ محمد عبده في التوحيد وما فيه تنقية العقائد الإسلامية، فكان هدفه تطوير الأزهر من خلال اختيار معاونيه، لكنه اختلف مع الملك فؤاد 1928م لرغبته في السيطرة على الأزهر فاستقال، وخلال تلك الفترة اهتم بالدراسات العليا، فأنشأ كليات عليا في دراسة الشريعة وعلوم الدين، وبناء على رغبة العلماء والطلبة والرأي العام والحكومة عاد مرة أخرى 1935م، وبدأ تنفيذ هدفه بأن يكون الأزهر المعهد الإسلامي الأكبر لحفظ الشريعة واللغة العربية وتخريج العلماء.
واجه الشيخ مصطفى عبد الرازق صعوبات كثيرة لدعوته إلى إصلاحات جذرية، وأنشأ قاعة الإمام محمد عبده وألغى الأروقة وأنشأ بدلًا منها مدينة سكنية، وأقر راتبًا شهريًا 15 جنيهًا.
وفي عهد الشيخ محمود شلتوت 1958- 1962م تكونت جامعة الأزهر بكلياتها العلمية الجديدة بجانب كلياتها النظرية القديمة.