Close ad

د. محمد حسين أبوالعلا يكتب: عالم على مقصلة العنصرية

24-11-2021 | 14:31

لم يحمل تاريخ الدولة العبرية طيلة أمده أية فضيلة يمكن أن يسجلها في الفضاء الحضاري المعاصر، ولا تستشعر الذات العبرية بخطورة هذه النقيصة الإنسانية الكبرى، من ثم لا تدأب نحو إزالتها ومحوها؛ لأنها في المقابل تعتقد بفاعلية الشائعات والاختلافات وتأثيرها وتوقن في إيجابية نتائجها، ذلك أن هذه الذات إنما تعايش اندماجًا حميمًا مع الوهم والأسطورة بشكل ربما لم تقترب منه ذات أخرى، لأنها الوحيدة التي لم يقر داخلها أي معنى للسلام والتواصل والتعايش والتسامح والأمن، لذا فهي تقمع أي صوت داخلها يخالف هذه النبرة، لأنها البؤرة المقدسة التي تعتصم داخلها بحيث يصبح الاقتراب منها ممثلًا لجريمة كبرى لا تردعها أية عقوبة مهما تكن.

وها هو صوت يعلو ويقتحم هذه البؤرة منددًا بفلسفة النظام السياسي للدولة العبرية إزاء كافة مفردات التعامل مع القضية الفلسطينية وشعبها رافضًا بشكل خاص تلك السياسات الاستيطانية، حتى أنه قد دعا إلى مقاطعة جامعة أريئيل الواقعة في مستوطنة بالضفة الغربية المحتلة، فكانت العاصفة المدمرة التي حرمت عالم الرياضيات وعلوم الحاسوب "عوديد غولد رايخ" من جائزة إسرائيل للرياضيات والعلوم تقديرًا وعرفانًا بالقيمة العلمية والأكاديمية، وهو البروفيسور المشهود له بالكفاءة النادرة في معهد فايتسمان للبحوث العلمية التطبيقية.

لكن أية كفاءة وأية موهبة؛ بل حتى أية عبقرية يمكن أن تكون شفيعًا لمن يحاول أن يقترح أو يفرض مسارًا تصحيحيًا للسياسات الإسرائيلية الرعناء، وعلى ذلك فقد انبرت كافة الكتائب السياسية، وعلى رأسها "شاشا بيطون" تلك التي رددت وأكدت مرارًا (لا أستطيع منح جائزة إسرائيل على إنجازات أكاديمية مهما كانت رائعة لمن يدعو لمقاطعة مؤسسة أكاديمية إسرائيلية، فهذه أرفع جائزة في إسرائيل ولا يستحقها مطلقًا من يدعو للمقاطعة إذ إن هذه الدعوة إنما تقوض هدف الجائزة وتسعى لقطع الإبداع والتنوع وحرية الرأي).

وقبلها قرر وزير التعليم "يؤاف غالانت" حرمان "عوديد" من الجائزة، وعلى أثر ذلك امتعضت لجنة الجائزة وتقدمت بالتماس للمحكمة العليا ضد قرار "غالانت"، وقد قررت ضرورة النظر في القرار، لكن غالانت أبى واستكبر وأصر على حرمان عوديد من شرف الحصول على الجائزة، ورغم مجيء حكومة أخرى روجت لنفسها بأنها حكومة تغيير إلا أنها صارت على نفس النهج مقررة رفض توجهات المحكمة العليا، ولم يكن من لجنة الجائزة إلا التصدي بشرح مدى موضوعية ومهنية قراراتها القائمة على أسس احترام الفكر والإبداع والمبدعين بعيدًا عن مواقفهم السياسية، إذ كيف لعالم رياضيات حظي بعشرات الجوائز والشهادات من دول العالم، بينما يحرمه وطنه من شرف التقدير.

ولم تكن إثارة كل هذه الزوابع في الوسط الأكاديمي وامتدادها للساحة السياسية غير أن عالم رياضيات له توجه مؤيد للسلام مع الفلسطينيين من منطلق انتمائه الوطني وحرصه على مصالح دولته، ولم يكن مؤيد مقاطعة الاستيطان غير أنه يتعارض مع القانون الدولي. 

وإذا كانت الدولة العبرية قد مارست عنصريتها وغطرستها مع كل فرد يلوح مطالبًا بالعدل السياسي ورفض لغة العنف وإحياء دعاوى السلام باعتبارها خيارًا إستراتيجيًا وحضاريًا، فماذا هي فاعلة مع جبهات أنصار السلام تلك المنتشرة في الطرقات احتجاجا على العنف المتفاقم للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية والذي يمثل انفلاتا غير مسبوق ضد العرب.

وطبقًا لذلك فلقد أشار تقرير "بتسليم" إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استولى على أكثر من مليوني دونم من الأراضي في الضفة الغربية لفرض الاستيطان وأقام نحو مائتي وثمانين مستوطنة يسكنها نحو أربعمائة ألف وأربعمائة مستوطن. 

وأكثر من ذلك تشهيرًا بسياسات الدولة العبرية أن أكثر من مائة شخصية ثقافية من بقعة الفنون العالمية - المسماة هوليوود - قد انضمت إلى الحملة العالمية المنددة بقرار إسرائيل تصنيف الكثير من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية منظمات إرهابية، متذرعة بأنها منظمات تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، من ثم لابد من حظر نشاطها، وتقييد حرية نشطائها.

وعلى ذلك ما الذي لم ينتهك من بنود القانون الدولي على يد الدولة العبرية؟ وما هو الدعم الذي لم تقدمه الإمبراطورية الأمريكية لهذه الدولة؟ وإلى أي مدى تتسع طموحاتها، وقد بلغت ما بعد الأحلام السياسية؟ وماذا بعد أن طرحت الممارسات الصهيونية فكرة الوزن النسبي لمنظمات المجتمع الدولي؟ وكيف يفتقد الإنسان المعايش لحضارة هذا القرن مساحة المصداقية في هذه المنظمات؟ ومن يحمي الدول المستضعفة من غوائل الدولة العبرية؟ وما هو الرادع السياسي والإستراتيجي المؤثر في ممارسات هذه الدولة؟

نعم نعايش عالمًا فوضويًا، لكن أي درجة من الفوضوية، أي درجة من اللامبالاة، أي درجة من العنصرية، أي درجة من الدموية… كيف اجتاح طوفان الكراهية أرجاء الكوكب الأرضي؟! ذلك هو السؤال!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الفرعونية.. حضارة المستقبل

يتداعى الخيال ونسقط بلا حراك تحت أقدام الحضارة المصرية ... قالها شامبليون، بل إنه قبل أن يوجز هذه الألفاظ كان المعنى ثابتاً مترسخاً فى أفق الزمان.

د. محمد حسين أبو العلا يكتب: ذاكرة الجحيم الحضاري.. تساؤلات اللحظة

إن البشرية التي نامت في حصة التاريخ لن تغير طباعها ... هكذا تتسلل كلمات وول ديورانت عابرة آفاق الزمن، لكنها لم تأخذ مسارها في الوعي الإنساني العام متحدية

د. محمد حسين أبوالعلا يكتب: من صعدوا للشمس ومن غاصوا في جوف الأرض!!

سنوات ضوئية تفصل بين أحوال البشر على الأرض، وأكثر من ذلك ما يفصل بين طبائع العقول في مراميها وغاياتها، فهناك عقول تحلق وأخرى تهوي، عقول لها بريق أخاذ وأخرى مطموسة