Close ad

د. خالد قنديل يكتب: الجريمة .. الظاهرة الغريبة وضرورة المواجهة

22-11-2021 | 12:42

ماذا جرى للمجتمع الطيب؟ سؤال يتردد على ذهني المؤرق ليل نهار، غير مصدقٍ هذا التحول الذي جرى لدى البعض من أبناء بلدنا الحبيب، وأقول البعض حيث لا تعميم يليق هنا بأمر مرتبط بسلوك بعض الناس، وبروز ظاهرة الجرائم الغريبة، وقد استيقظ الشارع المصري في الأيام القليلة الماضية على جريمة مروعة بمدينة الإسماعيلية، أعادت إلى الأذهان مشاهد الدواعش القتلة والسفاحين، ولم يكن أمرا مبالغًا من الذين وصفوها بأنها "الأبشع في البلاد"، إذ لا تزال أصداؤها تتردد في حكايات الناس وعبر مواقع التواصل الاجتماعي حتي اليوم، ففي مشهد أعاد إلى الأذهان تلك الفظائع الداعشية أقدم شاب موتور على قتل رجل مسالم، أمام أنظار المارة في وضح النهار ثم قام بفصل رأسه عن جسده، ثم تجول برأسه في المدينة الهادئة وفي يده الساطور الذي استخدمه في جريمته البشعة.

والواقع الذي يجب أن نواجهه بشجاعة أن معدل الجريمة بدأ يتزايد في المجتمع وبصور غريبة لا نصدقها، وقد يكون أمرًا صحيا وإيجابيا في هذا السياق أن نرى كل هذا الكم من ردود الأفعال الرافضة والمستهجنة لمثل تلك الحوادث، لأن مثل هذا الرفض بمثابة مؤشر على سلامة العقل وانضباط الشخصية المصرية والنزوع الدائم للخير، فما إن ترددت تفاصيل وصور الحادث البشع عبر مواقع التواصل حتى جاءت ردود الفعل منددة ومستنكرة، من هول المشاهد تارة، ومن سلبية المارة تارة أخرى، وهو عادة ما يحدث مع الجرائم المختلفة والقتل والعنف الأسري والزوجي وصولا إلى التحرش وجرائم الشرف، والتي كشفت دراسات حديثة عن ارتفاع معدلها بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، كما كشفت دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث في إجمالي جرائم القتل، فخلال شهر يوليو الماضي فقط، ومن واقع سجلات ومحاضر الشرطة سُجلت معدلات مرتفعة في جرائم القتل بأنحاء الجمهورية،  تجاوز عددها 50 حالة، أغلبها كان بدافع السرقة أو لخلافات أسرية على توفير احتياجات المعيشة، أو خلافات على تقسيم أرباح التجارة، بالإضافة لجرائم الشرف.

ولا شك في أن الجريمة ترتبط ارتباطا وثيقا بظروف المجتمع المحيطة بها، فكلما غابت الأسرة والتربية ارتفع معدل انتشارها، واللافت أن الوقت الحالي يشهد غير الارتفاع في معدلات الجريمة، فإنه أيضا يشهد اختلافا في نوعيتها بسبب اختلاف سلوكيات الناس عما مضى، فنجد أن من أسباب العنف الأسري الانفصال بين الزوجين أو التهديد به وعدم شعور الأبناء بالترابط الأسري والاستقرار، وكذا عدم تربية الأبناء على السلوكيات والأخلاقيات الحميدة، واختفاء الحب والتفاهم في محيط الأسرة، ليحل مكانهما الغضب والصراخ والعنف وأخذ الحق بالقوة، فضلا عن الموروثات الثقافية كالتفرقة بين الذكر والأنثى في المعاملة، وغياب ثقافة الحوار الراقي، كما أن هناك أسبابا نفسية للعنف، إذ يعاني الشخص العنيف من اضطراب نفسي شديد يؤدي به إلى إلحاق الضرر بالآخرين.

وفي تقرير صادر عن وزارة الداخلية المصرية، نكتشف أن وراء زيادة معدل الجرائم، ظهور أنماط جديدة للجريمة، وتكوين تشكيلات عصابية من الشباب، وسهولة تنفيذ البعض لجرائم السرقات بسبب قصور المواطنين في وسائل تأمين ممتلكاتهم، وغياب الوعي الاجتماعي والثقافي، واستغلال البعض للحرب التي تخوضها الدولة على الإرهاب، وكانت الوزارة قبل عامين قد أصدرت تقريرا يكشف معدلات الجريمة في البلاد وأسباب ارتفاعها، وأرجعها إلى انتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي، والتأثيرات الناجمة عن الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات، وانعكاسها على تقليد المواطنين لها، والظروف الاقتصادية والمتغيرات المحيطة بالدولة، وفضلا عن هذا التقرير قد تكون تداعيات فيروس كورونا مؤخرا، وزيادة نسب تعاطي المخدرات، أدت إلى زيادة معدل العنف، فالمخدرات تعد أحد العناصر المسببة للعنف بأشكاله المختلفة في المجتمع، ويمكن أن تصحبها عدم وجود دخل ثابت لدى المدمن، في ظل وجود طموحات خاصة يقابلها فقر وعجز اقتصادي، تقوده غالبا لارتكاب الجرائم، كما أن مظهر الحياة المزدحم يؤدي إلى زيادة حالات التوتر بين الناس بدرجة كبيرة، ليس حيث الزحام بالشوارع وبوسائل المواصلات كالحافلات ومترو الأنفاق، واختفاء قيم الشارع هنا حيث نادرا ما نجد صغيرا يتخلى عن مقعده بحب واحترام لشخص كبير،  مثلما كان يحدث كثيرا وبشكل اعتيادي ومألوف في الماضي، كما لا ننسى أن التباعد الواقعي والانحياز للتواصل التكنولوجي يعد عاملًا كبيرا في اختفاء القيم الطيبة والنبيلة بل وزيادة نسبة التوتر لدى المستخدمين.

فإذا كانت هذه الجريمة البشعة التي شهدتها شوارع الإسماعيلية قد أطلقت جرس إنذار كبير يصل  مدى صداه إلى أقصى الجنوب وأقصى الشمال، فعلينا جميعا أن ننتبه جيدا لهذا النداء ونفكر معا ونحن نرصد التغير الناشئ في بعض مجتمعاتنا ونستشعر ضرورة عودة الثقافة المصرية وتأصيل القيم والمبادئ والجذور التي تربينا ونشأنا من حب الخير وتجريم العنف، والاهتمام بصورة فاعلة بمعنى التربية والتعليم، والدعم الأكبر في اتجاه إعادة مراكز الشباب للعمل بكامل طاقتها، واستيعاب جميع الشباب لتفريغ طاقاتهم إيجابيا، والحرص على عودة دور الثقافة والتوعية بين المواطنين، فلماذا لا يكون هناك برنامج شامل لتعظيم وتقديم المثل العليا وتسليط الضوء عليها بحيث يتم تقديم قصص حياة الراحلين منهم في صور مختلفة وعمل المسابقات حولها، وكذا دعوة من على قيد الحياة منهم للإسهام في مبادرات خلاقة تسعى لنشر الحب والسلام والخير، وفي هذا السياق آن الأوان للتفكير الإيجابي نحو  استغلال الدراما والسينما في تجسيد هذه الأدوار المهمة في حياتنا، والابتعاد عن تجسيد أدوار الشر وجعل أصحابها أبطالا ينتصرون رغم أنهم ضد القانون ورغم أنهم يتلفظون بعبارات غير لائقة في آذان الأسرة المصرية ترددها الأجيال الصغيرة وتكبر معهم، ولعلنا نتذكر واقعة اعتداء شخصين على ثالث بإحدى المحافظات وإجباره على ارتداء ملابس سيدة، وقد فعلا ذلك اقتداء بمشهد بثه أحد الأعمال الدرامية، كما أن هناك طفلا سرق سلاحا ناريا من والده وتوجه به إلى أحد مراكز الكمبيوتر وقتل زميلا له وحين سُئل عن ذلك أجاب بأنه أراد أن يحاكي (بطل) عمل درامي، ولنلاحظ هنا فكرة (البطل)، فهل يكون البطل والنموذج والمثال لأبنائنا قاتلا ومجرما ويُشيع الذعر ويرهب الناس؟

كما أن هناك دائما مسئولية كبيرة على إعلامنا، لعل أبرزها ألا  يسلط الضوء كثيرا على مثل هذه الجرائم بصورة خبرية وتناقلها بالشكل الذي يثير الذعر بين المواطنين بهدف عدد المشاهدات وحسب، بل إن فكرة الرصد المجرد مع التحليل هي الأولى بالتناول هنا، فالدور الأبرز للإعلام تنويري في المقام الأول، أي تنوير فكر الشباب ببث البرامج الهادفة التي تساعد في تثقيف الأفراد وتنمية وعيهم وإدراكهم. 

ولا ننسى أبدا ولا يليق أن يسقط من تفكيرنا أن التربية لها دور كبير، لأنها تسهم بصورة أكبر في تشكيل شخصية الطفل، الذي يظهر سلوكه إما بالسلب أو بالإيجاب عند الكبر، مع إعطاء الدروس والندوات وإقامة المؤتمرات للتأكيد على أساليب، ولا مانع من التفكير في إنشاء دور رعاية ومراكز تأهيل للمقبلين على الزواج لإرشادهم على الأسلوب الأمثل للحياة الأسرية، مع الحث الدائم على أهمية تعاضد الناس وتلاحمهم، وتراحمهم وتوادهم من خلال أعمال فنية توضح جمال وقيمة التراحم بين الناس.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: