في وقت قياسي استطاعت الدولة أن تحقق طفرة حقيقية في مختلف المجالات، حيث عملت بكل مؤسساتها على التنمية والتطوير لنجد إنجازات حقيقية على أرض الواقع في النقل والطرق والبناء والمشروعات والأمن والاستقرار، ولكن لم تغفل "الجمهورية الجديدة" عن الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان، وإحياء منظومة القيم التي تحتاج إلى الكثير من الأمور؛ لكي تنهض منها إعادة منظمات المجتمع المدني كشريك رئيسي مع الدولة في نشر ثقافة حقوق الإنسان، التي تعد من أهم الأمور الرئيسية لبناء منظومة القيم والأخلاق داخل مجتمعنا.
موضوعات مقترحة
وقد أولت الدولة اهتمامًا بالغًا لبناء الإنسان التي تتضمن حقوق المواطن في السكن والعمل والصحة والحياة الكريمة، واتخذت خطوات قوية في ملف حقوق الإنسان منها، إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإشراك منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في العمل على لتعزيز حقوق الإنسان بعد إصدار قانون 149 لسنة 2019 الذي يُنظم عملها.
وتعرض " بوابة الأهرام" آراء المختصين حول كيفية مساهمة منظمات المجتمع المدني فى بناء منظومة القيم والأخلاق داخل مجتمعنا
التربية ثم التعليم
وفي قاعدة بناء منظومة القيم والأخلاق، تأتي التربية في المقام الأول ويليها التعليم، هكذا قال علاء شلبي، محام ورئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام"، موضحا أن الاستثمار في التعليم أمر مهم في إعادة بناء منظومة القيم والأخلاق التي هي بحاجة لكثير من التصحيح، حيث أن التعليم الصحيح ينعكس إيجابا على السلوك العام والفردي، وخاصة من خلال المسار التربوي.
الأسرة والمدرسة
ولأن الأسرة والمدرسة لهم دور أساسي في بناء القيم والاخلاق، أشار شلبي أن مسار التربية يبدأ من الأسرة قبل المدرسة، فإن الأسرة مسئولة عن التربية الصحيحة، لافتا إلى أن المدرسة لها الدور الأكبر في ترسيخ القيم والأخلاق أيضاً.
وذكر رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان تجربة مصر في توظيف مرحلة التعليم والتعلم في تنمية القيم والأخلاق، موضحا أن مصر لديها تجربة مهمة في هذا الأمر، حيث بدأت في ظل الحكومات الوفدية التي وسعّت قاعدة الالتحاق بالتعليم قبل ثورة يوليو 1952 المجيدة، وتأسست هذه الجهود على تطوير محتوى يجمع بين الموروث الثقافي الإيجابي وعناصر التحديث والعلم التي تحصلت عليها النخب المصرية من بعثات التعليم إلى أوروبا في تلك الآونة، وقد حققت النجاح المنشود بعدما وفرت ثورة يوليو 1952 مجانية التعليم للجميع، وتوازى مع ذلك نهضة ثقافية وفنية وإعلامية هائلة.
وتابع أن النجاحات التي حققتها الدولة بعد ثورة 1952، تعرضت إلى التآكل التدريجي منذ سبعينيات القرن الماضي، وعلى مدار 12 عاما تقريبا بعدما تم إفساح المجال أمام قوى الظلام والتفسيرات الدينية المشوهة والمشبوهة المدعومة بالبترودولار، على نحو زرع التشتت والانقسام داخل المجتمع الواحد.
ولفت إلى أن أخطر مظاهر انتشار الظلام الديني وتأثيراته يتجلى بقوة في غزو التيار الظلامي للمؤسسات التعليمية وقدرته على استقطاب قطاع كبير من المعلمين ومعدي المناهج، وإفساد مخرجات العملية التعليمية لصالح استفحال التعصب والتمييز والحض على العنف.
المجتمع المدني شريك رئيسي
وعن دور منظمات المجتمع المدني، أكد رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن المجتمع المدني هو لاعب رئيسي في المعركة الثقافية، بحكم دوره كنصير مهم للحريات وللدولة المدنية الديمقراطية، موضحا أن دور المجتمع المدني مهم ومحوري في مجال بناء الثقافة المدنية ودعم منهج الحوار ونبذ التعصب والطرف ومحاصرة الظواهر السلبية، وخاصة منظمات حقوق الإنسان التي تعمل فطريا على تعزيز قيم التسامح والإخاء والعفو والكرامة والعدل والحرية والمساواة.
واتفق معه عصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، مؤكدا في تصريحات خاصة لـ" بوابة الأهرام"، أن المجتمع المدني له دور رئيسي في بناء منظومة القيم والأخلاق، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، حيث إن الرئيس السيسي وجه بإطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أصبحت منظمات المجتمع المدني شريكا فعالا بها بالتعاون مع مؤسسات الدولة.
رفع العبء عن الدولة
ولأن الدولة هي المسئولة عن نشر ثقافة حقوق الإنسان وتقويم السلوكيات، أكد شيحة أن إشراك المجتمع المدني في العمل على الارتقاء بأوضاع المواطنين من خلال تطبيق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان يرفع العبء عن الدولة، مشيرا إلى أن هناك 55 ألف جمعية أهلية ستعمل تطوير ملف حقوق الإنسان من خلال التوعية والتدريب وتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين، وذلك سيعمل على بناء منظومة القيم والأخلاق داخل مجتمعنا.
بينما أوضح رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن الدولة هي القائد الذي يبادر ويفسح المجال أمام المبادرات ويشجع عليها وعلى تنفيذها، ويضمن تطور النموذج التنموي المستدام والعصري التكامل بين أدوار الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص في تحفيز التنمية في شتى المجالات، بما في ذلك في المجال الثقافي الذي يؤدي إلى الارتقاء بالقيم والأخلاق.
انطلاقة كبيرة العام المقبل
ولأن عام 2022 سيُصبح عاما للمجتمع المدني، توقع علاء شلبي أن يشهد المجتمع المدني مرحلة انطلاق كبيرة خلال العام المقبل، اتصالا باختتام فترة تكييف الأوضاع في ١٠ يناير، وتزامنا مع انطلاق فعاليات عام المجتمع المدني وفقا لإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في 11 سبتمبر الماضي.
إحياء القيم والأخلاق
وعن نشر ثقافة حقوق الإنسان وأحياء القيم والأخلاق، أوضح عصام شيحة أن المجتمع المدني سيشارك في تسليط الضوء على القضايا المهمة مثل: دعم المرأة والطفل، والمشاركة في إعداد مشروعات القوانين التي تخص حقوق الإنسان، لافتا إلى أهمية الدور التوعوي الذي سيقوم به المجتمع المدني في تصحيح الأفكار المغلوطة، والقضاء على التطرف والإرهاب، وتجديد الخطاب الديني.
واتفق مع رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، موضحا أن إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسا،ن وكون المجتمع المدني فاعلا رئيسيا في تفعيلها جنبا إلى جنب مع الحكومة والمجلس القومي لحقوق الإنسان يعد أساسا قويا لفتح الآفاق أمام مشاركة منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية في مسار مكافحة التعصب والتطرف، متوقعا أن ينفتح باب التعاون بين هذه المنظمات وبين المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف في هذا الصدد، مع إشراكها في تفعيل المبادرة الرئاسية لتجديد الخطاب الديني.
البدء في تطبيق الإستراتيجية
وعن أهم خطوات بناء منظومة القيم ، لفت علاء شلبي إلى أهمية البدء في تطبيق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتعمل على توسعة المجال العام وتشجيع الإبداع والابتكار والنقد، وهو ما من شأنه أن يضخ دماء جديدة في الحياة الثقافية، بالإضافة إلى إقامة رؤوس جسور لنهضة ثقافية من خلال ضمان التنوع السياسي والإعلامي والثقافي وتشجيع التنافسية والتكامل.
وطالب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان بإنشاء المفوضية الوطنية لمناهضة التمييز، وعقد مؤتمر وطني للإصلاح الثقافي الشامل، وتنمية التربية على حقوق الإنسان في التعليم وفي تكوينات المجتمع مثل النقابات والجامعات.