دائمًا ما يركز الخطاب الخارجي للدولة المصرية في مختلف المحافل والمنتديات الدولية على المسئولية المشتركة لدول العالم في إنقاذ كوكب الأرض من المخاطر الطبيعية التي تحيط به، فضلًا عن المطالبة بالحد من ممارسات الدول الكبرى المتقدمة التي تضر بصحة البشر ووضع الطبيعة من الانبعاثات، حيث تعد أزمة التغيرات المناخية من أخطر الأزمات التي يواجهها الإنسان منذ خلقه الله واستخلفه في الأرض، وبالتالي فإن مهمة إنقاذ الأرض ـ لا شك ـ مسئولية دولية تقع على عاتق العالم كله، خصوصًا وأن هناك دولًا كان لها دور كبير جدًا في تلويث الكوكب عبر الغازات الدفيئة والغازات الحبيسة وثاني أكسيد الكربون.
وعلى سبيل المثال فإن ارتفاع مستوى سطح البحر مترًا واحدًا سيؤدي إلى غرق 970 كيلومترًا مربعًا من أراضي الدلتا طبقا لتوقعات خبراء البنك الدولي، كما أن زيادة درجة ملوحة المياه الجوفية بعمق يتجاوز الـ6 كيلومترات، يعد من الأمور الخطيرة التي يجب أن نعالجها بشكل سريع، كما يضر التغير المناخي بالشعاب المرجانية بالبحر الأحمر بسبب ارتفاع درجة الحرارة ومعدل حموضة مياه البحر، وقد انخفضت الشعب المرجانية بنسبة 50 بالمائة، فضلًا عن فقدها لونها الأرجواني.
وقد جاءت كلمة الرئيس السيسي في إطار مشاركته بأعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في مدينة جلاسجو الاسكتلندية، بمثابة دعوة مخلصة للعالم أجمع بأن ينتبه لما يتعرض له من مخاطر، مستعرضًا بشكل واضح أبعاد المشكلة وسبل حلها، وأن تغير المناخ يمثل أكبر التحديات للدول الفقيرة وأن دول إفريقيا سوف تواجه تحديات كثيرة في هذا الصدد، وكانت مصر ولا تزال تتخذ سلسلة من الإجراءات لترشيد الطاقة واستخدام وسائل حديثة من بينها القطارات الكهربائية والسيارات ووسائل النقل الحديثة والتوسع في مصادر الطاقة النظيفة، والتوسع في الرقعة الخضراء وكذا التوسع في بناء المدن الجديدة للحد من ظاهرة التلوث الناتج عن التزاحم، مع العلم بأن ملف تغير المناخ في مصر شهد اهتمامًا متصاعدًا من قبل ذلك، وقد تحول على مستوى وزاري ليكون المجلس الوطني لتغير المناخ برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات المعنية، وبرئاسة وزارة البيئة للأمانة الفنية.
ويعد الشرق الأوسط من المناطق المهددة بشكل كبير عبر التأثر السريع بالتغيرات المناخية، لذا فإن هناك ضرورة كبيرة لتكاتف دول المنطقة وتبنيها أجندة موحدة للعمل على احتواء هذه الأزمة، ولأن الغلاف الجوي واحد ولا يوجد بينه حدود، فلا مانع من أن يتم دعم الدول الفقيرة للعمل الجماعي على معالجة أزمة التغيرات المناخية، مع العلم بأن التعامل الأناني والنفعي مع تلك المشكلة لن ينجي أحدًا، ومن ثم يجب وَفق كل ذلك أن يتم وضع التوصيات الصادرة عن قمة "جلاسكو" للمناخ، موضع التنفيذ والمتابعة، خصوصًا أن اللغة التي تحدث بها بعض الزعماء كانت إيجابية تجاه ما تم التعهد به، فالأمر لا يتطلب أكثر من التوصل لحلول بشأن القضايا الخلافية المتعلقة بتمويل المناخ، وترجمة ما تم التوصل إليه في قمة مجموعة العشرين بـ"روما" بأن البشرية تواجه تحديا وجوديا لتغير المناخ.
إن قمة المناخ في أسكتلندا وهذا العدد من الرؤساء يؤكد أن العالم يدرك الآن بأن الأرض في خطر.. وأن القضية لم تعد مجرد توصيات أو مخاوف ولكن البشرية كلها أمام تحديات لابد أن تواجهها حرصًا على بقاء الجنس البشري، فما يحدث على كوكب الأرض يتطلب وقفة جادة لأن جميع قراءات المستقبل تؤكد أن الأرض تواجه كارثة، وأن على الإنسان أن يفيق قبل فوات الأوان، وقد أفاق العالم على كارثة تهدد وجوده اسمها تغير المناخ وأن كل شيء تلوث حوله، الماء والهواء والطعام والسماء والأرض، والأمل معقود على تخفيض الانبعاثات ونمو الاستثمار في الاقتصاد الأخضر عبر الشراكة بين مختلف الأطراف لمصلحة العالم أجمع، ولمنح الأجيال القادمة أملًا ملموسًا في العيش بأمن وسلام.