لماذا أصبح العنف «أسلوب حياة».. وكيف تحول بعض المواطنين إلى متفرجين أمام الجريمة؟

4-11-2021 | 17:14
لماذا أصبح العنف ;أسلوب حياة; وكيف تحول بعض المواطنين إلى متفرجين أمام الجريمة؟جريمة الإسماعيلية
إيمان فكري

اتخذ نمط الجريمة والخسائر في الأرواح منعطفا خطيرا في الآونة الأخيرة، خاصة وسط حالة السلبية واللامبالاة التي سيطرت على المواطنين، وجعلتهم معتادين على مشاهد العنف والدم، ففي الفترة الأخيرة شهد المجتمع بعض جرائم البلطجة التي تكون أمام المارة بالشوارع في وسط النهار، ولم يتحرك أحد لمنع الجريمة أيا كانت قتل أو تحرش أو غيرهم، بل يكتفون بمشاهدة الواقعة والتسابق في تصويرها وسرعة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

موضوعات مقترحة

كانت حادثة الإسماعيلية المأسوية، آخر هذه الجرائم التي أثارت حالة كبيرة من الاستنكار والجدل، حيث انهال فيها شاب على شخص أعزل في مشهد مرعب بشارع رئيسي أمام مئات الأشخاص بوسط النهار، بسلاح أبيض "ساطور" فقتله ثم مثل بجثته بطريقة بشعة بعد فصل رأسه عن جسده، ليطوف بها في الشارع دون أي خوف أو رهبة من أحد، ولم يتحرك أحد المتفرجين على الجريمة لإنقاذ الضحية.

وأثبتت هذه الجرائم المأسوية غياب النخوة والشهامة لبعض المواطنين في الفترة الأخيرة، رغم أنها من أهم الصفات التي يتسم بها الشعب المصري، ما يجعلنا نتساءل عن أسباب انتشار حالة اللامبالاة والسلبية بين المواطنين، وكيف لجان يقتل شخصا بهذه الطريقة الوحشية أمام الجميع دون تحرك من أحد.

تناقش "بوابة الأهرام" في التقرير التالي الإجابة عن هذه التساؤلات مع عدد من الخبراء.

لماذا لم يتحرك المواطنون لإنقاذ ضحية جريمة الإسماعيلية؟

يُرجع الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، السر وراء وقوف الناس أثناء الواقعة دون تحرك أحد، لاقتصار تفكير بعض المواطنين في الفترة الأخيرة على المصلحة الشخصية، والخوف من الأضرار التي يمكن أن تلحق به إذا تدخل لإنقاذ الضحية، ويتجه تفكيره في ذلك الوقت إلى التصوير لنشر الفيديو وجلب المزيد من المشاهدات العالية والشهرة التي أصبحت أمنية الكثير في الفترة الأخيرة.

كما أنه من أهم الأسباب التي أدت إلى غياب النخوة والشهامة ببعض المواطنين، بحسب "فرويز"، هي الاطلاع على الثقافات الغربية، وأخذ السيئ منها فقط، والتمسك بالطباع السيئة وترك الإيجابية في مجتمعنا، كما أنه تخلي البعض عن ثقافتنا وهويتنا ما تسبب في ظهور مسخ ثقافي، بجانب تراجع دور الفن ورجال الدين في توعية أبناء المجتمع.

ويؤكد استشاري الطب النفسي، أننا نواجه انحدارا أخلاقيا في المجتمع بشكل كبير، وذلك بسبب القصور في تنشئة الأجيال الجديدة التي تكبر على الاعتياد على مشاهدة العنف والتفكك الأسري الذي له دور كبير في التنشئة غير الصحية للأطفال، ما يؤدي لزيادة الانحدار الأخلاقي والقيمي في المجتمع، وفي حال عدم وضع خطة للارتقاء بالمستوى الفكري والأخلاقي سيشهد المجتمع جرائم أبغض من جريمة الإسماعيلية.

ما أسباب انتشار حالة اللامبالاة بين المواطنين؟

أما عن أسباب حالة اللامبالاة التي سيطرت على المواطنين ومشاهدين حادثة الإسماعيلية، ترى الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع، أن هذه الحالة لم تكن ناتجة من صدمة الناس بالواقعة حيث إنهم كانوا على وعي تام بما يحدث، ولكن كان تفكيرهم في توثيق الواقعة لرفع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس في إبلاغ الشرطة أو محاولة أي شخص إنقاذ الضحية.

مشاهد العنف في الإعلام

وتوضح أستاذ علم الاجتماع، أن أفلام البلطجة والعنف التي انتشرت في السنوات الماضية، جعلت الناس يعتادون مشاهد العنف والدم والذبح، كما أنها تشرح لهم طرق القتل وتُبرر للقاتل، ما يسهم في ترسيخ أن البلطجي شخص جيد، ما جعل النخوة والشهامة التي يتسم بها المجتمع تتلاشى مع الوقت.

اختفاء الوازع الديني، وإهمال تربية الأبناء أحد أهم الأسباب التي أكدت "خضر" أنها تؤدي لهذه الحالة من السلبية، فالوازع الديني تحول لشيء مظهري، حيث يترنح المجتمع ما بين الإفراط الشديد في التدين المظهري، أو التفريط التام والبعد عن كل ما يخص الدين، كما أن إهمال تربية الأبناء بسبب الانشغال بالحياة الاقتصادية أو الأهواء الشخصية تؤدي في النهاية إلى ظهور شخص منحرف.

حلول لإصلاح المجتمع من حالة اللامبالاة

ويشدد أساتذة علم النفس والاجتماعي، على ضرورة تربية الأبناء على الرجولة والنخوة والشهامة واتخاذ المواقف القوية في الخلافات وتعزيز مشاعر الانتماء والإحساس بالآخر، ومساعدة الشخص التي يرى احتياجه للمساعدة، بالإضافة إلى دور الإعلام نظرا أننا في حاجة لإصلاح الشعب بالدراما والأعمال الفنية التي تعمل على تعزيز الانتماء ورفض الشر ومساندة الضعفاء.

عقوبة من يصور جريمة دموية

كما طالبوا بضرورة محاسبة كل شخص يكتفي بتصوير الجرائم الدموية وترك الضحية ضعيفا أمام الجاني، كما يجب معاقبة أي شخص يقوم بنشر فيديو لجريمة دموية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكسب الشهرة على حساب الضحية وأهله، وكذلك دون مراعاة التأثير النفسي على من يشاهد هذه المقاطع المليئة بالعنف والدماء، ويتم وضع بعض بنود القانون التى تحدد عقوبة لهؤلاء الأشخاص.

ومن الناحية الإعلامية، لا بد من منع نشر الرموز السلبية من دراما وأفلام، أو مشاهد العنف التي تشجع الشباب على السلوك العنيف واستخدام البلطجة في أي شيء، ويتم مواجهة ذلك من خلال عمل برامج توعية ونشر محتوى تعليمي وثقافي لمحاربة المحتوى الذي يشجع على العنف والتفكير في الذات والأنانية واللامبالاة التي تراكمت في المجتمع على مدار السنوات الأخيرة.

ما هو حكم الشخص الذي يقف لمشاهدة أذى الغير دون فعل شيء؟

يؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، أن نمط الجريمة وإزهاق الأرواح في الآونة الأخيرة أخذ منحنى خطيرا، فعلى الرغم من أن طبيعة الشعب المصري على وجه الخصوص تتسم بالشهامة، ولكن معدل الجريمة خطير، والأسباب تكون في منتهى الوضاعة، فهناك شخص قتل آخر لوجود شجرة أمام بيته ويريد أحدهما قطعها.

ويشدد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، أننا في حاجة إلى أساتذة الاجتماع وعلماء الدين والرعاة بالنسبة للمسيحية، لبيان حرمة دم الإنسان والقتل، مستشهدا بقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"، منوها أن ما يحدث هو جرس إنذار للمجتمع لسرعة التحرك للتوعية السليمة.

كما يوضح أن مسألة المجاهرة بالمعصية وبالقتل على مرأى ومسمع والناس يشاهدون دون مبالاة، هذا شيء لم نعتد عليه في الشارع المصري وغريب عن طبيعة المصريين، فكيف لا يتحرك حتى شخص واحد لحماية الضحية من يد هذا القاتل، قائلا "بعيدا عن النصوص الدينية ماذا لو كان هذا القتيل أحد أقاربه المقربين هل كان ينظر بهذه السلبية وكأنه يرى فصلا في مسرحية أو لقطة في فيلم سينمائي، ونحن نلوم بكل قوة هؤلاء السلبيين الذين مرت أمامهم الجريمة دون أن تحرك لهم ساكنا.

ويشير إلى أن الدين الإسلامي يحث على المسارعة في الخيرات والتعاون، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، مستشهدا بقول الله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ".

وكذلك حثنا النبي صلي الله عليه وسلم، على التعاون على تغيير المنكر، مستشهدا بالحديث النبوي الذي رواه أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسل، أنه قال: من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان

ويقول أستاذ الفقه، إنه إذا كان تدخل من شاهد حادث الإسماعيلية فى بداية الأمر بدلا من التصوير، لم يحدث مثلما حدث، لأنهم بذلك يكونون قد منعوا بداية الشر وجريمة فيها إرهاق للنفس.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: