مزعجة إلى حد التقزز الفكري.. ومثيرة إلى حد الغثيان النفسي.. تلك البوستات والكتابات المنتشرة على العديد من صفحات ومواقع الميديا من فيس بوك، وتويتر، وواتس آب، وغيرها، وللأسف الشديد يتم تداولها عن سبق إصرار، وتعمد، وترصد، وقلة عقل، وانعدام أخلاق، من قبل المروجين لها، وبلا حياء أو خجل...
عن التهجم والتهكم على الشخصية العربية، أتحدث.. كم هائل من الأبواق التي تقذف حممها وبراكينها المعادية لشخصية الإنسان العربي خاصة، والمسلم عمومًا، وتمارس جلدها جلدًا مشحونًا بالسادية والحقد الدفين، والقهر من قيمتها وقامتها رغم أنف المتنطعين.
تجمعت لدىَّ فإذا بها تشكل 500 صفحة، الأمر الذي يستدعي كتابًا؛ بل أكثر من كتاب، مني ومن كل قلم غيور على ذاتنا.. تتبعتها ووصلت إلى كثير ممن يسوقونها تسويقًا بشعًا.. كتائب إلكترونية.. وكميات من الذباب الإلكتروني، والنفايات التي تفتح لهم أبوابها وأبواقها وأحقادها..
*
تفرق الأدبيات الإنسانية بين نقد الذات وجلدها، فترى أن جلد الذات في الأصل مصطلح نفسي يوصف به الشخص المريض الذي يفقد القدرة على مواجهة الأزمات، وييأس من المستقبل، ويفقد القدرة على التركيز، وينعزل بأرقه وقلقه وتوتره وكآبته وكوابيسه، ويجلد نفسه ويعاقبها نفسيًا وبدنيًا، نتيجة فشله في تحقيق هدفه في أمد قصير، دون تخطيط ولا مثابرة ولا جهد يستحق عليه النجاح.
المشكلة تتجلى أكثر إذا تحول هذا المرض من شخص إلى مجتمع بأكمله، فتلك كارثة حقيقية، مجتمع يجلد نفسه؛ لأنه غير قادر على مواجهة الأزمات، والمفارقة تأتي ممن يستغل هذه الإشكالية ويوظفها سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا وإعلاميًا.. وما أكثر هؤلاء.. كما سيتضح بعد سطور.
*
ليغفر لي السادة القراءة غفرانًا مبينًا، ما استشهد به من ترهات جلادي الذات، لعلنا نرجمهم باليقظة الفكرية والصحوة الوجدانية، و«نكشف سترهم» وننبه الغافلين من الذين لا يزالون، وسيظلون، غارقين في وحل لعبة جلد الذات، حتى الطمس والقهر والتوهان في عصر الاستعارة، ومصرين على شراء ذمم الذين باعوا عروبتهم بترديدهم مقولات خرافية، من قبل الذين نهبوا منطقتنا، ولخبطوا جغرافيتنا، وامتصوا خيراتنا، وسرقوا خبراتنا، وعلماءنا وخبراءنا..!. وكل ما هم فيه الآن وإلى ألف عام قادمة، إنما هو من خيرنا وصنعنا وزرعنا، كما شرحت وأفضت في مقال سابق لأحد هؤلاء (الانكشارية)، وما أكثرهم، ويبدو أني سأظل أحمل مصباحي هذا ولو في عز الظهيرة، مثل مصباح «ديوجين» الذي يضرب به المثل الفلسفي!
*
أحد هؤلاء لا يتوانى عن نشر و«تشيير» ما ينفثه، عبر جروبات الواتس، وعبر الفيس المشبوه، وتويتر المنحاز للصهيونية العالمية ضد كل ما هو عربي، ومن هذه النفثات: «فهم غرب، ونحن عرب.. فقط نقطة، وهم شعب يختار، ونحن شعب يحتار، وهم تحالفوا، والعرب تخالفوا، عادت النقطة مرة أخرى، هم وصلوا لمستوى الحصانة، والعرب مازالوا في مستوى الحضانة، وما زال العرب يعانون مشكل النقطة، هم تعلموا بالأقلام، ونحن تعلمنا بالأفلام، وعادت النقطة مجددًا، هم أخذوا من أجدادنا الحضارة، ونحن أخذنا منهم السيجارة، هم أخذوا من أجدادنا كتب العلم، ونحن أخذنا منهم المسلسل والفيلم»(!!)..
ويصل الأمر بأحدهم إلى أن يسأل بسذاجة، وهو كما نشر فلسطيني، ولما تتبعت هذا الاسم لم أجده كذلك، إنما هو واحد من احفاد هرتزل «ماذا لو اختفى العرب جميعًا؟ ماذا لو أفاق العالم فجأة واكتشف أننا لم نعد موجودين؟ بالتأكيد لن يخشى من خسارة أي شيء، فلن ينقطع الإنترنت ولن تتوقف الأقمار الصناعية ولا مصانع السيارات وقطع غيارها، ولن تتوقف أسواق البورصة، ولن يفتقد أي مواطن في العالم أي نوع من الدواء ولا المعدات الطبية وأجهزة الأشعة وغرف العمليات، ولا حتى السلاح الذي يقتل به بعضنا بعضًا، فلم نقدم للعالم أي خدمة سوى الكلام وصورة قتل بعضنا في الصحف ونشرات الأخبار»(!!).
*
ويصل الجلد بمن يدعون أنه شاعر أردني وينشرون له قصيدة «من يشتري الأعراب»
«من يشتري الأعراب مني
والعروبةَ والعربْ
من يشتريهم كلهم جمعاً
بحِملٍ من حطبْ
بحذاء طفلٍ من حلب ْ
من يشتري أذقانهم
ولهُ على البيعه شنبْ»(!!).
*
أرأيتم .. لا أريد أن استرسل في نماذج من هذه اللعبة، فقط أدعو إلى أخذ الحيطة والحذر، لا سيما من الذين ينتسبون إلى مجموعات الواتس وهم بالملايين، يتاجرون بالميديا، ويرتدون الأقنعة، تحت أسماء إسلامية وعربية وصور كثيرة، وقورة ومثيرة!!.
وكم انتزعت اقنعة عديدة، وكشفت أسماء متخفية، آخرها سيدة تدعي أنها من بلا المغرب العربي، وإذا بها تقيم في لندن وهي صهيونية قح، تتخفى وتظهر وتختفي مع مجموعة تندس في جروبات هنا، وقد رأيت اسمي بينها ضمن عشرات «القروبات» التي تقحم اسمًا وأسماء كثيرة أيضًا (لزوم الشغل).. وقس على ذلك ما تشاء..
*
انتهبوا يرحمكم الله وإيانا من هؤلاء الجلادين...!.
وإلى الملتقى مع نماذج من النقد الإيجابي لحملة مصابيح التنوير.. لنرى الفرق العظيم بين نقد الذات المرغوب فيه وجلد الذات الممقوت...!