موضوعات مقترحة
تحل فى 25 أكتوبر الجارى الذكرى الخمسون لاستعادة جمهورية الصين الشعبية مقعدها المشروع والمستحق فى منظمة الأمم المتحدة .
ففى ذات التاريخ عام 1971 صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 2758 الذى أعاد الصين الشعبية لمقعدها المشروع فى المنظمة الدولية بأغلبية 76 صوتا منها 13 دولة عربية وفى القلب منها مصر، بعد 22 عاما من الإبعاد بالرغم من أن الصين تعد أحد الحلفاء المنتصرين فى الحرب العالمية الثانية بجانب الولايات المتحدة وروسيا وغيرهم من الحلفاء الأوروبيين، كما أن الصين هى إحدى الدول القليلة التى أسست لقيام الأمم المتحدة وقام وفدها الذى ضم ممثلين عن الحزب الشيوعى الصينى بالتوقيع على ميثاق المنظمة.
والسؤال الذى طرح نفسه هو لماذا تم استبعاد جمهورية الصين الشعبية من عضوية الأمم المتحدة لفترة زمنية امتدت لـ 22 عاما أى بعد تأسيسها عام 1949 وعلى أثر إعلانها أنها الحكومة الشرعية الوحيدة فى البلاد ودعوتها إلى طرد ممثل حزب الكومنتانغ من الأمم المتحدة علما بأن ذلك وضع نهاية لجمهورية الصين التى كان يتزعمها شانغ كاى تشيك والذى لجأ وأعوانه وتابعوه إلى جزيرة تايوان لتنشأ بذلك ازدواجية لم تكن لتنشأ وتستمر لولا ظروف الحرب الباردة والحرب الكورية التى أدت بالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى معارضة استبدال جمهورية الصين بالأمم المتحدة بجمهورية الصين الشعبية وتحول اعتراف هولاء منذ ذلك الوقت بالصين الوطنية فعلياً.
ومن المفارقات الصارخة أن هذه الازدواجية التى تسببت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها وقعت رغم صدور إعلان القاهرة لعام 1943 فى أعقاب لقاء روزفلت وتشرشل وشانغ كاى تشيك الزعيم الصينى آنذاك وهو الإعلان الذى اعتبر أن كل الأراضى التى استولت عليها اليابان من الصين منذ الحرب العالمية الأولى هى جزء لا يتجزء من البر الصينى بما فى ذلك تايوان ولقد أكد إعلان بوتسدام لعام 1945 ما جاء فى إعلان القاهرة .
ولقد استمرت مرواغات الولايات المتحدة وحلفائها طوال عقدين من الزمان وأخذت أشكالاً متعددة لمنع بكين من الحصول على مقعدها المشروع بالأمم المتحدة ومنها تقدم الولايات المتحدة باقتراح اعتبار قضية تمثيل الصين بالامم المتحدة مسألة هامة لا يمكن البت فيها إلا بأغلبية ثلثى أصوات الجمعية العامة، ولكن محاولات الولايات المتحدة باءت بالفشل فى النهاية لأسباب عدة منها زيادة عدد الدول المستقلة ونشأة حركة عدم الانحياز وظهور المعسكر الاشتراكى وانتهاج عدد متزايد من الدول النهج الاشتراكى أو الشيوعى ولأول مرة تجاوز عدد الأصوات المؤيدة لعودة الصين لاحتلال مقعدها المشروع بالأمم المتحدة عام 1970 عدد الأصوات المعارضة.
وفى عام 1971 رفضت الجمعية العامة قرار المسألة الهامة الذى اقترحته الولايات المتحدة وقررت استعادة جمهورية الصين الشعبية كل حقوقها القانونية بما فى ذلك عضويتها الدائمة بمجلس الأمن الدولى والاعتراف بممثل حكومتها باعتباره الممثل الشرعى الوحيد للصين وتم طرد ممثل حزب الكومنتانغ (تايوان)، كما انضمت الصين لاحقا إلى كافة الهيئات التابعة للأمم المتحدة ووكالتها المتخصصة، ولتنتصر بذلك إرادة المجتمع الدولى على كل محاولات إقصاء جمهورية الصين الشعبية عن ممارسة دورها الطبيعى كعضو فى المنظمة الدولية.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الدول التى اعترفت بجمهورية الصين الشعبية التى نشأت عام 1949 أخذ فى التزايد وشرع الكثير من الدول المستقلة حديثا فى أنشاء العلاقات الدبلوماسية مع بكين، حيث كانت مصر أولى الدول العربية والإفريقية التى أسست لتلك العلاقات فى عام 1956 ولقد بلغ عدد الدول التى اعترفت بالصين الشعبية عام 1971 الذى شهد عودة الصين إلى عضويتها الطبيعية بالأمم المتحدة 64 دولة علما بأن قرار الجمعية العامة رقم 2758 لعام 1971 قد ساهم فى تزايد أعداد الدول المعترفة بالصين الشعبية حتى قاربت على كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.
ولقد لعبت الدول العربية دورا طليعيا فى استعادة الصين لموقعها المشروع بالمنظمة الدولية إيمانا منها بأن وجودها وخاصة كدولة دائما العضوية فى مجلس الأمن الدولى يضفى توازنا مفتقدا على دور المجلس ومواقفه وبالفعل فلقد كان تواجد الصين بالمجلس منذ عام 1971 داعما لقضايا الدول العربية وبصفة خاصة القضية الفلسطينية والدول الإفريقية والدول النامية بشكل عام خاصة وأن القاسم المشترك فى مواقف كل من الصين وهذه الدول تجلى من خلال رفضها سياسات الهيمنة والتوسع وشن الحروب وافتعال الأزمات وعدم احترام سيادة الدول ووحدة ترابها وسلامتها الاقليمية والتدخل فى شئونها الداخلية والحيلولة دون تمتع الشعوب بحقها فى تقرير مصيرها وعدم احترام مبادئ وقواعد القانون الدولى.
إلا أننا لا يمكن أن نغفل جهود بكين المضنية على امتداد عقدين من الزمان بهدف استعادة موقعها المشروع فى المنظومة الدولية إذ إنها دعمت كفاح الشعوب فى التحرر ونيل استقلالها وقدمت كافة أشكال الدعم الاقتصادى والاجتماعى بل والأمنى والعسكرى لهذه الدول مما أكسبها احتراما ومصداقية على امتداد المجتمع الدولى شرقه وغربه.
ونحن نستعيد ذكرى مشهد وقوف ممثلى الدول الأعضاء الـ 76 بالجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1971 وتصفيقهم المدوى تعبيرا عن انتصار قيم العدالة والانصاف وابتهاجا بعودة الصين الشعبية لحضن الأمم المتحدة فلابد أن تستدعى الذاكرة أيضا مشاهد عديدة أخرى يصعب حصرها استدعت ولازالت تستدعى الوقوف والتصفيق للصين الشعبية بالنظر لما استطاعت أن تحققه على امتداد العقود الأربعة الأخيرة سواء كان ذلك لنجاح سياسات الإصلاح الاقتصادى داخل الصين التى تعتبر عن جدارة وبامتياز معجزة القرن العشرين والواحد والعشرين أو لنجاح بكين فى تبوؤ مركز دولي مرموق إذ أضحت القوة التجارية الأولى عالميا والقوى الاقتصادية الثانية عالميا وتقدمت كافة الدول الأخرى فى الأسرة الدولية فى مجال البحث العلمى والتكنولوجيا كما يرجع الفضل لها فى أضفاء الطابع الإنسانى على ظاهرة العولمة بإطلاقها عام 2013 مبادرة الحزام والطريق لربط اقتصاديات الدول المنضمة إليها بريا وبحريا بشبكات أفضل عززت من اقتصاديات تلك الدول ولا شك أن هناك المزيد فى جعبة بكين مما سوف تخرج علينا به فى المستقبل.
سفير. علي الحفني
نائب وزير الخارجية الأسبق