أتوقع أن يتذكر التاريخ الدورة الخامسة من مهرجان الجونة السينمائي، والتي تُختتم مساء اليوم الجمعة، ليس لأنها شهدت العديد من الأزمات الكبرى التي يندر أن يتعرض لها مهرجان مماثل في دورة واحدة، وليس لأنها أسفرت عن حصاد فني وفير من الصعب أن يحظى به مهرجان آخر، ولكن لأنها جمعت بين الأزمات والمستوى الفني الرفيع في ظاهرة نادرة، فالطبيعي أن يؤثر كل منهما على الآخر سلبا أو إيجابا، لكن هذا لم يحدث في الجونة هذا العام.
موضوعات مقترحة
بدأت الأزمات قبل افتتاح الدورة في 14 أكتوبر الحالي، وقبل حتى السفر للجونة، عندما نشب الخلاف المعروف بين الفنانة يسرا، عضو اللجنة الاستشارية الدولية للمهرجان، والخبير السينمائي انتشال التميمي، مدير المهرجان، على خلفية استبعاد الأخير تكريمها في المهرجان لأنها عضو في اللجنة، قبل أن يتم الصلح بينهما خلال المؤتمر الصحفي لإعلان تفاصيل الدورة قبل يوم واحد من الافتتاح.
وفور وصول الضيوف إلى الجونة لحضور المؤتمر الصحفي، نشب حريق ضخم في المسرح المعد لاستقبال الافتتاح، وسرعان ما سيطر عليه رجال الدفاع المدني بمحافظة البحر الأحمر، واستطاع العاملون بالشركة المنظمة إعادة المسرح لما كان عليه خلال 24 ساعة في إنجاز حقيقي، لكنه سبّب ارتباكا واضحا على الجميع.
وخلال الافتتاح نفسه، تسببت كلمة الفنان أحمد السقا، خلال قبوله تكريم المهرجان له، في أزمة مع السينمائيين والنقاد لأنه بزلة لسان مسح تاريخ السينما المصرية من 1967 إلى ظهور جيله من الممثلين الجدد عام 1997.. كما انتقد المتابعون ظهور الفنان محمد رمضان على مسرح حفل الافتتاح بأغنية ليس لها علاقة بالسينما، فضلا عن إثارة غضب بعض الأوساط المغربية بعدم التنويه إلى وجود الملحن والموزع المغربي العالمي "ريد وان" قبل أو بعد الأغنية، التي شارك في صناعتها، وكأنه لم يأت.
وتابع الجميع بالطبع أزمة فيلم "ريش"، الذي شارك في المسابقة الرسمية، والذي ثار حوله جدل واسع وصل للاتهام - الخاطئ في رأيي - بتشويه سمعة مصر، وكذلك عدم تمكن الفنان الفلسطيني سعيد زاغة من دخول مصر لحضور المهرجان، مما ترتب عليه اعتذار الممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري عن عدم الحضور لقبول تكريمه، فضلا عن حادث السير البسيط الذي تعرضت له الفنانة بشرى، رئيس عمليات المهرجان.
وكانت آخر الأزمات وأكبرها: استقالة المخرج أمير رمسيس، المدير الفني للمهرجان، من موقعه قبل يومين فقط من الختام، وإصراره على العودة للقاهرة دون إبداء الأسباب.. كما صرح انتشال التميمي، مدير المهرجان، بأنه لا يعرف الأسباب، وإن كانت جميع الدلائل والمعلومات تشير إلى خلافات بينهما.
ورغم ذلك كله، كان الحصاد الفني للمهرجان وفيرا وممتازا، سواء من حيث جودة الأفلام المشاركة، أو تميز البرامج والفعاليات الموازية.. فقد عرض "الجونة 5" عددا كبيرا من أفلام السنة المهمة الحاصلة على جوائز من المهرجانات الدولية الكبيرة، فضلا عن الأعمال المتميزة التي عرضها لأول مرة عالميا، وأتحدث عن الأفلام الروائية الطويلة، حيث لم تكن القصيرة على نفس المستوى.
في المسابقة، بالإضافة إلى "ريش"، الفائز بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد وجائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي) بمهرجان كان الأخير، شارك فيلم "أميرة" للمخرج محمد دياب من مصر، الحاصل على ثلاث جوائز موازية من مهرجان فينيسيا هذا العام، والفيلم الروسي "مقصورة رقم 6"، الذي فاز بالجائزة الكبرى من مهرجان كان، وفيلم "ملعب"، للمخرجة لورا فونديل، الحاصلة على جائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي) من مهرجان كان أيضا. كما شارك الفيلم الكرواتي "مورينا"، الذي حصل في "كان" على جائزة الكاميرا الذهبية لأحسن عمل أول.
ومن "سقف العالم"، فنلندا والنرويج، على الترتيب، أُعجب جمهور المهرجان بالفيلم الإنساني البديع "الكفيف الذي لم يرغب في مشاهدة تايتانيك"، وكذلك الفيلم الجميل "أسوأ شخص في العالم"، الذي حصد جائزة أحسن ممثلة من مهرجان "كان" في يوليو الماضي.
وضمن الاختيار الرسمي (خارج المسابقة)، تميز الفيلم الفرنسي "واقعة"، الفائز بأسد مهرجان فينيسيا الذهبي هذا العام، وفيلم "ثانية واحدة" للمخرج الصيني الكبير زانج ييمو، والذي افتتح مهرجان سان سباستيان الأخير.. وشارك المخرج الكبير الآخر ويس أندرسون بفيلمه المختلف المميز "ذا فرينش ديسباتش". كما عُرض فيلم "إرخاء القبضات"، الحاصل على جائزة قسم «نظرة ما» الرسمي بمهرجان "كان"، وفيلم "ضوء طبيعي"، الفائز بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج من مهرجان برلين السينمائي هذا العام، والفيلم الأسترالي المهم "نيترام"، المتوج بجائزة أفضل ممثل من مهرجان كان هذا العام.
وإلى جانب الأفلام، احتفى المهرجان بالذكرى الخامسة والعشرين لوفاة المخرج البولندي الشهير كريستوف كيشلوفسكي، حيث أقام معرضا استعاديا لأعماله وحياته صممه وجهزه منسق المناظر ومهندس الديكور الكبير أنسي أبو سيف، وتمت خلاله إعادة الأعمال المعروضة فيه إلى الحياة مرة أخرى من خلال عدسة سينمائية.. وشمل البرنامج عرض خمسة أفلام لكيشلوفسكي، وليس فيلما واحدا أو اثنين، حتى يأخذ المتابعون والمشاهدون فكرة وافية عن أسلوبه ومدرسته السينمائية، وهي: "ثلاثية الألوان" الشهيرة ("أبيض"، "أحمر"، و"أزرق")، و"الحياة المزدوجة لفيرونيك"، و"الوصايا العشر: لا تقتل". كما حل الممثل المعروف زبيجنيو زماكوفسكي، البطل الأثير لأفلام كيشلوفسكي، ضيفا على المهرجان.
وشمل "الحصاد" محاضرة للمخرج الأمريكي الكبير دارين أرونوفسكي، وورش عمل ومحاضرات أخرى عن قضايا سينمائية مهمة منها ما لم يتم مناقشته من قبل مثل الصحة النفسية للممثلين، فضلا عن منصة الجونة السينمائية التي قدمت دعما ماليا كبيرا للعديد من مشروعات الأفلام العربية في مرحلتي ما قبل وما بعد الإنتاج.
الحصاد الفنى فى الجونة الحصاد الفنى فى الجونة الحصاد الفنى فى الجونة الحصاد الفنى فى الجونة الحصاد الفنى فى الجونة الحصاد الفنى فى الجونة