Close ad

محمد الشاذلي يكتب: زيارة إلى بورسعيد

19-10-2021 | 16:39

خرجت من زيارة بورسعيد أخيرًا بانطباعات متنوعة، تبدأ بالارتياح إلى المدينة وأهلها وسلوكياتهم الهادئة، خصوصًا أنني من أبناء القاهرة، وعاصمة المعز أحد أكثر المدن لهاثًا وضجيجًا، هي الثالثة في العالم، بعد جوانزو في الصين ودلهي في الهند، حسب إحصاءات عالمية.
 
أما هامش الربح فيما يبيعون ويشترون معقول، فتتدنى الأسعار عن القاهرة كثيرًا، وذكرتني بأسعار الإسكندرية بعد انقضاء فصل الصيف زمان، وليس الآن، بهرني أيضًا، وهو ما كنت اختبرته في زيارة سابقة، أجرة ركوب التاكسي التي لا تقارن أبدًا بالقاهرة، فأنت تستطيع أن تذهب إلى آخر بورسعيد بالتاكسي ولا تدفع أكثر من خمسة عشر جنيهًا، ما يجعل استعمال سيارتك الخاصة في الكثير من أغراضك ومشاوريك من الكماليات التي لا لزوم لها.
 
ويمكن أن تُلحق بذلك سخافة السياس في القاهرة الكبرى الذين يودون لو شاركوك في السيارة، كما لم يعودوا يحملون فوطة صفراء، أو أي لون، لمسح الزجاج مثلا، كنوع من الخدمة، وإنما يقومون بفرض إتاوة، وقد لا تقنعهم عشرة جنيهات، وربما زادوها إلى عشرين أو ثلاثين جنيهًا تبعًا لزحام المكان، وتأسيسًا على نظرية العرض والطلب.
 
أقصد من ذلك أن الأسعار مقنعة والتمهل وعدم الجشع سمة والهدوء صفة سائدة في مدينة المليون مواطن التي تأسست قبل 162 عامًا عندما بدأ حفر قناة السويس من النقطة التي تنتصب فيها قاعدة تمثال ديليسبس، وقد تركت المدينة وكأنها استقرت على بقاء القاعدة ونفي التمثال في مخازن أو متحف هيئة قناة السويس في الإسماعيلية، كما تركتها بعد أن هدأ الجدل نسبيًا حول تمثال مصر أم الدنيا قريبًا من قاعدة تمثال ديليسبس بنحو خمسمائة متر، وقد رحب به البعض واعتبروه إضافة، بينما انتقده آخرون بدعوى أنه لا يمت للمدينة بصلة.

لكن هذا ليس كل شيء قطعًا، فما الذي يشغل أهل بورسعيد؟
 
أتفق من تحدثت معهم على أن أكثر ما يشغل أهل بورسعيد هو السكن، وهي قضية حياتية مؤثرة، فالشاب البورسعيدي لا يجد سكنًا مناسبًا بسهولة، أو يجده بأسعار لا يستطيع دفعها، وعندما سألت عن التوسعات الجديدة في مدينة تحدها المياه من كل جانب فيما يشبه الجزيرة، فإن الأديب الصديق أحمد رشاد حدثني عن سهل الطينة شرق بورسعيد، كحل وحيد، أما جدارة هذا الحل في التطبيق العملي فإنه عسير، وشرح لي مدير نادي الصيد في بورسعيد اللواء إيهاب الزيدي، أن المسألة عند المواطن البورسعيدي تختلف عما هو الحال في أي محافظة أخري، فبورسعيد عنده هي بورسعيد الحالية، وقد لا يُقبل على سكن يبعد به عن وسط بورسعيد بنحو أربعين كيلو مترًا، في الشرق.
 
نحن نقبل بذلك في القاهرة التي توسعت شرقًا وغربًا ونرتاد الطرق الطولية والعرضية والكباري والمحاور بعشرات الكيلومترات ونستخدم مترو الأنفاق وننتظر المونوريل، وقد اتسعت القاهرة واستعرضت بشكل لا يمكن الإحاطة به بسهولة، حتى لنقترب من وصول القاهرة إلى رمال خليج السويس، حيث يمكن قريبًا أن نقرأ لافتة "شاطئ القاهرة".
 
أما من الناحية التنفيذية فإن سهل الطينة عند الدكتور نادر نور الدين محمد (كتاب "تحديات المياه وإنتاج الغذاء في مصر والسدود الإثيوبية ونهر الكونغو" ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر 2021) هو عبارة عن "أراض طينية ثقيلة ـ ملحية قلوية ـ مرتفعة المياه الجوفية نتيجة وقوعها في منخفض يقع بين قناة السويس غربًا والبحر المتوسط شمالاً، لذلك يصلها رشح دائم من المياه المالحة لقناة السويس والبحر المتوسط ولا سبيل لمنعه". 
 
هذا الاتفاق على صعوبة إيجاد مسكن يجعل من سهل الطينة واقعًا لن يخفف من وطأته سوى البناء الجيد والتخطيط السليم وسعر معقول للوحدات السكنية، وعرفت أنه بدأ تنفيذ مخطط مدينة بورسعيد الجديدة لتكون مدينة مليونية، في الجزء الآسيوي من بورسعيد والذي يبدأ من ضاحية بورفؤاد، ويمتد شرقًا.
 
أما مدينة بورسعيد فهي لم تعد منطقة حرة، ولم يعد فيها شيء من بقاياها، اللهم إلا وجود المحال التجارية والأسواق التي يمكن أن تجدها في أي مدينة أخرى في مصر، فيما يزال الحنين يلتصق بأدمغة بعض من ارتادوها كمنطقة حرة فيذهبون حتى الآن لشراء بعض الأغراض.
 
لكن لا غياب المنطقة الحرة ولا حنين البعض يكفي لإنعاش بورسعيد وتطلعات شبابها، وإنما تحتاج إلى العودة للهدف الأصلي من إطلاقها كمنطقة حرة في السبعينيات، كان قرار الانفتاح الاقتصادي جريئا في النظرية بشعًا في التطبيق، ويمكن الآن إعادة القطار إلى السكة الصحيحة بانفتاح صناعي إنتاجي، فبورسعيد ينقصها مدينة صناعية حديثة، وهذا ما سألت عنه، كما سألت عن مشروع شرق التفريعة.
 
والامتداد شرقا هو أمل بورسعيد سكانيًا وصناعيًا منذ مشروع المهندس يحيى محمود مصطفى الذي سجل فكرته بمكتب براءات الاختراع بالقاهرة سنة 1974 (كتاب "الثورة الخضراء أمل مصر" للمهندس جرجس حلمي عازرـ هيئة الكتاب.. الطبعة الثانية 1999). ومشروع المستشار حسن أحمد عمر "إستراتيجية تطوير بورسعيد" وشرق بورسعيد جزء منها، والذي طرحه عام 1993. وطبقا لمشروعه الذي أتمنى أن تهتم به الحكومة في إطار سعيها لتهيئة شرق بورسعيد لكي تتحول إلى مدينة استثمارية عالمية، فإن أنفاق بورسعيد الجديدة (أنفاق 3 يوليو) سوف تساهم في ربط المدنية المقترحة بجنوب بورسعيد، ويبتعد عمر بمشروعه ليصبح جزءًا من طريق الحزام ـ الطريق الذي تسعى الصين لإعادته.
 
ويبقى تجديد الفنار التاريخي وتحويله إلى مزار تاريخي وهو الذي بوسعه إعادة شارع فلسطين (السلطان حسين سابقًا) إلى رونقه القديم، واطلعت على خطة للمحافظ عادل الغضبان تعد بعودة الشارع إلى شخصيته الفريدة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة