Close ad

كمال جاب الله يكتب: ورقة تايوان لعب بالنار .. لماذا؟

18-10-2021 | 10:55

في مقالي يوم الإثنين الماضي، ذكرت أن عودة تايوان للصين، سلميًا، هي مسألة وقت، وأمرها محسوم، بالأرقام والمنطق، وبالتاريخ والجغرافيا، إن عاجلا أو أجلا. 

هذه الرؤية الحتمية لعودة تايوان لأحضان الوطن الأم، سلميا، لا تستند – فقط - إلى قراءات نظرية، لـ "المسألة التايوانية"، بل تعتمد – أساسًا - على مشاهدات، بدأت بتغطية احتفالات عودة هونج كونج للصين، وتكللت بـ أربع زيارات ميدانية لـ تايوان، لأشهد – بعيني - حجم انحياز الرأي العام بالجزيرة لمبدأ صين واحدة.

من المؤكد أن الرغبة الجماعية - التي شهدتها بعيني في أثناء زياراتي الأربعة - لـ 23 مليون مواطن صيني، يعيشون في تايوان، تنحاز لتحقيق تطور سلمي للعلاقات عبر المضيق، وتدرك أن الصين اليوم، ليست كما كانت عليه من قبل، وأن بكين لن تسمح لأي دولة بالتدخل في مسألة الجزيرة بأية طريقة، باعتبارها شأنًا داخليًا.

هذه الرغبة لتحقيق تطور سلمي عبر المضيق، عبر عنها – باختصار - مسئول عسكري تايواني، تشيو كوو- تشنج، بقوله في تصريحات أدلى بها مؤخرا، بأن الجزيرة لن تقدم أبدًا على بدء حرب مع الصين، وأن الصين – كذلك - لا تعتزم الدخول في حرب لإعادة توحيد تايوان.

أيضًا، تستند الرغبة الجماعية في تايبيه لحل المشكلة سلميًا، إلى ما يمكن تسميته بالإجماع العام الدولي، بأنه لا يوجد سوى صين واحدة في العالم، وحكومة الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة، التي تمثل الصين بأكملها، وتايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية. 

يدرك المواطنون الصينيون عبر مضيق تايوان أن البر الرئيسي الصيني وتايوان ينتميان إلى الصين، نفسها، وأن الإصرار على إثارة مشكلتهم ما هو إلا ورقة ضغط لعرقلة وحدة ونمو ونهضة الوطن الأم.

لذلك، تكرر بكين تحذيراتها العلنية لكل من يقترب من الملف بأن اللعب بورقة تايوان، ما هو إلا لعب بالنار، داعية واشنطن إلى التمسك – بصرامة - بمبدأ صين واحدة، والوفاء بتعهداتها، بموجب البيانات المشتركة الصينية - الأمريكية الثلاثة.

في العام نفسه، 1979، الذي أقيمت فيه العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين، وأغلقت سفارة واشنطن في تايبيه، أقرت الولايات المتحدة – أيضًا - بما أسمته قانون العلاقات مع تايوان.

ينص هذا القانون على أنه يجب على الولايات المتحدة مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها، وهذا هو السبب في استمرار الولايات المتحدة في بيع الأسلحة إلى تايوان.

منذ ذلك التاريخ، 1979، لم تتوقف واشنطن عن مضايقة بكين، من خلال بيع الأسلحة لتايوان وتعزيز العلاقات العسكرية الرسمية مع الجزيرة، آخرها، يشمل: بيع أسلحة بقيمة 750 مليون دولار لتايوان، وهبوط طائرات عسكرية أمريكية في جزيرة تايوان، ومرور سفن البحرية - بشكل متكرر - من خلال مضيق تايوان.

تحتفظ واشنطن بوجود غير رسمي في تايبيه، عبر المعهد الأمريكي في تايوان، وهو شركة خاصة تمارس من خلالها أنشطة دبلوماسية.

أيضًا، وحسب ما ورد بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، مؤخرا، فإن هناك نحو عشرين فردًا من العمليات الخاصة، وقوات الدعم الأمريكية، يجرون تدريبًا لوحدات صغيرة من قوات برية تايوانية، بينما تعمل البحرية الأمريكية مع قوات بحرية محلية للتدريب على قوارب صغيرة.

أعود إلى ما دونته في مفكرتي الخاصة، ومشاهداتي الميدانية، خلال زياراتي الأربعة لمقاطعة تايوان الصينية، في أعوام: 2005-2011-2013-2014.

في عام 2005، زرت تايبيه، قادمًا من طوكيو، حيث كنت مراسلا لـ "لأهرام". 
وقتها، حرص منظمو الدعوة على ترتيب لقاءات لي مع أكبر عدد ممكن من قيادات الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي فاز بالحكم لأول مرة في عام 2000، ويتبنى أفكارًا متطرفة، تروج للاستقلال الرسمي النهائي لتايوان، على عكس ما ينص عليه "توافق 1992" بين بكين وتايبيه، بنبذ فكرة الاستقلال، وإبقاء الحال على ما هو عليه، إلى حين حل المشكلة سلميًا عبر مضيق تايوان.
  في الزيارات التالية، 2011-2013-2014، حظيت في الأخيرة، مع وفد صحفي أجنبي زائر، بمقابلة زعيم حزب كومينتانج، الحاكم في تايوان، ما بينج-جيو.

كانت الأجواء العامة، والمشاعر الرسمية والشعبية، في تايبيه، وكذلك، في المدن التايوانية الأخرى، التي زارها الوفد، تفضل نهج حزب كومينتانج الحاكم، بإعادة التوحيد مع الوطن الصيني الأم، في نهاية المطاف، لأسباب، ثابتة وتاريخية وجغرافية ومنطقية، غير غائبة عن وعي التايوانيين، ويرددونها في كل أحاديثهم.  

فالأرقام المتاحة تشير إلى أن حجم الاستثمارات التايوانية المباشرة في بر الصين تجاوزت 150 مليار دولار في عام 2020، وأن الصين تحتل مركز الشريك الأول لتايوان في حجم التجارة الخارجية، تصديرًا واستيرادًا، وأن هناك أكثر من مليون تايواني تربطهم علاقات تجارية واستثمارية مباشرة، ويعيشون في الوطن الأم.

خلال الفترة الممتدة من عام 1991 وحتى عام 2013، بلغ عدد المشروعات التايوانية في الصين 40704 مشروعات، ومن المؤكد أنها تضاعفت في السنوات التالية، لدرجة توثق ولا تفرق بين المواطنين الصينيين على جانبي مضيق تايوان.

من منظور المصالح المباشرة ورفاهية المواطنين عبر مضيق تايوان، يعي مواطنو الجزيرة أن اقتصاد الصين في عام 2021، لم يعد كما كان عليه الحال من قبل، فمعدل نمو الاقتصاد الصيني حقيقي، سواء كانت الصناعات الأولية أو الثانوية أو الثالثة، أو استهلاك السكان العاديين. 

في الوقت نفسه، حافظ قطاع الصادرات الصيني على معدل نمو مرتفع للغاية، وسعر صرف اليوان الصيني قوي، وأسعار الفائدة مستقرة، والتضخم يمكن السيطرة عليه. 

والأهم من ذلك أن أسعار العقارات الوطنية ظلت مستقرة لعدة سنوات متتالية، ولم يشعر الصينيون بتراجع كبير في مستوياتهم المعيشية تحت تأثير وباء كورونا المستجد، ولا يوجد أي مؤشر على تدهور التوقعات المستقبلية.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: