يحتفل التاريخ بنضال المرأة المصرية فى كل العصور، خصوصًا فى أوقات الحروب، ولكننا مع مرور الذكرى الثامنة والأربعين لحرب السادس من أكتوبر 1973، يجب أن نتذكر نساءً صنعن العزة والمجد بمنتهى الشجاعة والمثابرة من أجل وطنهن مصر، مضحيات بفلذات أكبادهن وأزواجهن وأرواحهن لنصرة هذا البلد.
ففي السويس تحمَّلتِ المرأة كثيرا، فهي التي دفعت بالابن والزوج إلى خطوط الجبهة، وهي التي هُجِّرت من وطنها بسبب الاحتلال، وهي التي شاركت في سنوات الحصار على السويس وكانت مثابرة، بل إنها غرست الانتماء والشجاعة فى أولادها، لخلق جيل جديد قادر على العطاء ومواجهة الحرب.
وأذكر بطولات بعض هؤلاء السيدات المجاهدات مثل الست فاطوم، تلك المرأة المصرية العظيمة، التي لم تكن تملك من الدنيا سوى عشر دجاجات، ذبحتها كلها لرجال المقاومة، وكانت تعمل، قدر استطاعتها، رغم القصف الشديد، على نقل الذخيرة وتضميد جروح الأبطال الشجعان، وفلاحة فايد الشهيرة بشجاعتها، والتى كلفها أحد الضباط بأن تذهب إلى مكان تمركز آليات العدو ومجنزراته، وتختبئ بين الأشجار الكثيفة في منطقة فايد وسرابيوم، لأنه كان يريد أن يسبق خطته استطلاع جيد تقوم به هذه الفلاحة، فحملت ابنتها على كتفها للتمويه على العدو لتؤدي مهمتها بكفاءة.
وأيضًا الحكيمة إصلاح محمد علي، التى كانت ضمن مجموعة أطباء وهيئة تمريض مستشفى السويس الأميري، وممن ظلوا يقاومون محاولات العدو الإسرائيلي لاقتحام المدينة، ورغم وجود حوالي 200 سرير في المستشفى كان يخدمه طاقم من 20 طبيبا و78 ممرضة فقط، ظلوا يعملون 24 ساعة يوميًا أثناء المعارك، وقد مثَّلَتْ فترة ما بعد نكسة 1967 معاناة كبيرة شاركت فيها المرأة السيناوية، وكان لها دور فعال وبطولى في المقاومة إلى جانب الرجل، فهي التي هرَّبت الفدائيين وعالجتهم وساعدتهم على الوصول إلي الأراضي المصرية، من خلال طرق لم يعرفها العدو، رغم أن تلك المرأة لم تتعلم ولم تتدرب، ولكن بفطرة الانتماء وحب الوطن دافعت عن أرضها في مواجهة العدو.
وعلى مدار اثني عشر عاما من الاحتلال، لم يستطع العدو الإسرائيلي التغلغل داخل كيان أهل سيناء، أو تجنيد أحد أبنائها، لأن المرأة المصرية زرعت في نفوس أطفالها من خلال تربيتها لهم حب الوطن، وعندما أراد العدو الصهيوني «تدويل» سيناء من خلال مؤتمر دولي في الحسنة، وقف أهل سيناء رجالا ونساء قائلين: «إن باطن الأرض خير لنا من ظهرها إذا تخلينا عن مصر أو فرطنا في سيناء».
وقد شاركت المرأة المصرية في حرب أكتوبر 1973، من خلال مقار التنظيم النسائى والجمعيات النسائية الأهلية في خدمة أسر الشهداء والجرحى، وبث الحملات الإعلامية للتطوع في التمريض والتبرع بالدم، وتدعيم الجبهة الداخلية.
كما تكونت لجنة «صديقات القلم» لترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية، وإرساله إلى مختلف الاتحادات والمنظمات النسائية العالمية، لإعلام المرأة في جميع دول العالم بحقيقة ما يدور في الشرق الأوسط.
وكانت على أعلى مستوى في الجبهة الداخلية، فأثناء الحرب عملت في المستشفيات من خلال الهلال الأحمر، ووقفت إلى جانب الجنود المصابين والمعاقين تساندهم وتُضمِّد جروحهم، إضافة إلى أن النساء في مواقع القيادة، كزوجات المسئولين والوزراء والضباط، جمعن التبرعات واشترين ملابس وبطاطين وجميع الاحتياجات، ووزعنها على الأسر التي فقدت العائل بالاستشهاد في الحرب أو الإصابة، وعندما بدأت لجان جمع تبرعات المجهود الحربي، كانت أسر فقيرة كثيرة تتبرع بكل مخزونها من الأرز والقمح والذرة.
وشاهد البعض سيدةً عجوزا تتبرع بـ«حلة نحاس» وطفلةً تتبرع بقرط ذهبي في أذنها، وأطفالا يتبرعون بما تضمه "الحصالة" من قروش قليلة.
ولا ننسى أم الشهيد وزوجة الشهيد، فالشهداء الأبرار تركوا من ورائهم زوجات في سن الشباب، وأبناء في عمر الزهور تولَّت الزوجة تربيتهم، وأمهات الأبطال ومنهن السيدة فردوس فرحات، والدة الشهيد النقيب طيار صبحى الشيخ، تلك السيدة العظيمة التى استشهد وحيدها فى ضربة السيطرة في السادس من أكتوبر 73، حينما جاء أحد المقاتلين ليقدم إليها كلمات العزاء ودمعت عيناه وهو يتحدث عن صبحى، فقالت الأم: «لا تحزن أيها الضابط من أجل ولدى، لقد حقق الله أمانيه كلها منذ اعتاد الصلاة والتحدث إليه قبل أن ينام، لقد عاش وحيدا وكان الله بجانبه دائما، فراح ينجح ويتفوق فى كل مراحل دراسته، ويشفى من أمراضه قبل أن أجمع نقود العلاج، وفى معارك 1970 قال لى صبحى: إن الله رفض أن يكرمه بالشهادة ولما قلت له، وهل تتركنى وحدى؟ قال مندهشا: إن الله لن يتركك، بل إن أعظم تكريم لقصة كفاحك معى، يهديه الله إليك، إذا قبلنى بين عداد الشهداء».
وقصص العطاء والفداء كثيرة، فقد وقفت المرأة إلى جانب الرجال تبنى معهم حائط الصواريخ، وعملت الفلاحة المصرية تحت قصف القنابل الإسرائيلية فى بناء الدشم، ولم تتراجع أو تخف، كانت قوية صامدة تعى دورها، وما يقوم به أولادها وزوجها من أجل سلامة مصر.