فى عام 1869 اكتشف الكيميائى السويسرى فريدريش ميشر «النوكلين» الذى أطلق عليه فيما بعد «DNA»
فى عام 1944 عرف العلماء أن الحمض النووى - وليس البروتينات - هو الذى يحمل المعلومات الوراثية لكل إنسان
يظن الكثير من الناس أن اكتشاف الحمض النووى، جاء عام 1950 من القرن الماضى على يد عالم الأحياء الأمريكى جيمس واتسون، والفيزيائى الإنجليزى فرانسيس كريك، لكن الواقع يقول إننا نحتفل هذا العام بمرور 150 سنة على اكتشاف الحمض النووى على يد الكيميائى السويسرى فريدريش ميشر. كانت البداية عام 1869، الذى حمل بين ثناياه اكتشافا مهولا فى مجال البحث الجيني؛ لأنه كان العام الذى حدد فيه الكيميائى الفسيولوجى السويسرى فريدريش ميشر لأول مرة ما سماه «النوكلين»، الذى أصبح فيما بعد اسمه الـ «دى إن إيه» داخل نوى خلايا الدم البيضاء البشرية. كان هدف ميشر الأساسى هو عزل مكونات بروتين خلايا الدم البيضاء، ونجح بالفعل فى القيام بذلك ليعثر على مادة من نواة الخلية لها خصائص كيميائية تختلف عن أى بروتين من حيث مقاومتها للتحلل واحتوائها على الفوسفور. أدرك ميشر فى هذه اللحظة أنه اكتشف مادة جديدة لتبدأ سلسلة الاكتشافات المتعاقبة التى غيرت الكثير فى عالم الطب بأكمله.
بداية النجاح تعود الى يوهان فريدريش ميشر المولود عام 1844 لعائلة كبيرة من الأطباء، حيث حصل على شهادته فى الطب فى بازل بسويسرا، وركز طوال حياته على التركيب الكيميائى للبويضة ونواة الخلية، وكان مهتمًا بشكل خاص بسمك السلمون، ولتحقيق أهدافه قام بتشريح وتحليل الكريات البيضاء (خلايا الدم البيضاء) والحيوانات المنوية التى تتميز نواتها بشكل خاص بالأحماض النووية. وفى ذلك الوقت كانت البروتينات تعتبر المكون الرئيسى للخلايا وكانت الكيمياء الحيوية فى ذلك الوقت أيضا علما جديدا يشق طريقه بالكاد، فى الوقت الذى كان علماء الأحياء قد بدؤوا للتو فى فهم المحتويات الكيميائية للخلية الحية وكيفية تفاعلها. كان العالم “فيليكس هوبى سيلر” هو الرائد فى هذا المجال الجديد فى جامعة توبنجن فى ألمانيا، وذهب ميشر للعمل فى مختبره فى عام 1868.
سرعان ما بدأ ميشر فى دراسة خلايا الدم البيضاء، خصوصا لدى مرضى الجراحة العامة من الذين يعانون من وجود صديد فى جروحهم، ليجد أن نواة الخلية تحتوى على مادة تختلف بشكل كبير عن البروتينات والدهون فى بقية الخلية. تلك الخلية التى تم تحديدها لاحقًا على أنها DNA. وعلى الرغم من أن ميشر قام باكتشافه فى عام 1869 ، فإن “هوبى سيلر” رائد الكيمياء الحيوية لم يقتنع وأصر على تكرار التجارب بنفسه مما أدى إلى تأخير النشر حتى عام 1871.
فى البداية اعتقد ميشر أن الـ DNA سيكون بنفس أهمية البروتينات. لم يدرك وقتها أن الحمض النووى هو الناقل للوراثة، لكنه أكد أنه تم العثور عليه فى خلايا الحيوانات المنوية للعديد من الحيوانات، وهو دليل لم يتم تقدير أهميته بالكامل حتى عام 1944 عندما تم تأسيس الحمض النووى ليكون مادة الجينات. ربما لأن ميشر اكتشف الحمض النووى من خلال تحليل خلايا من سمك السلمون، التى أصبحت مقدمة للبيولوجيا الجزيئية الحديثة التى حددت المادة التى تحمل الشفرة الجينية.
ومن خلال عزل الحمض النووى وضع فريدريش ميشر الأساس لثورة استغرقت وقتًا طويلاً لتكتمل عام 1944، عندما أظهر العلماء الأمريكيون أن الحمض النووى - وليس البروتينات- هو الذى يحمل معلومات وراثية. وفى عام 1953، تم وصف ما أطلق عليه "بنية الحلزون المزدوج" للحمض النووى على يد كل من جيمس واتسون وفرانسيس كريك، واللذين نشرا بحثهما فى مجلة Nature فى 25 أبريل 1953 فى مقال احتل صفحة واحدة فقط من المجلة، لكنها كانت كفيلة بإحداث نقلة نوعية فى علم الجينات أسفر عنها فوزهما الكاسح بجائزة نوبل عام 1962 فى الطب، رغم صغر سنهما وقتها.لم يستطع العلماء تطوير وفك رموز المكونات المختلفة لـ “الشفرة” الجينية إلا فى العقود التالية إذ لم يدرك الكثير من الباحثين أهمية هذا الاكتشاف، وقد استغرق الأمر نحو 10 سنوات حتى اكتشف المجتمع العلمى الثورة الحقيقية التى قام بها الباحثان باكتشافهما المذهل. فـ””كريك” و”واتسون” أظهرا أن الحمض النووى له بنية حلزونية على شكل حلزون أو لولب مزدوج له خصائص سمحت لنا بفهم كيفية نسخ المعلومات الجينية ونقلها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ طور الفيزيائى البريطانى موريس ويلكينز تقنية جديدة فى الأشعة السينية، جعلت من الممكن تصوير التركيب الجزيئى للحمض النووى والمواد البيولوجية الأخرى، حيث ساعدت هذه الصور واتسون وكريك وقدمت لهما الدليل على نظريتهما حول بنية الحمض النووى، و فى عام 1968 تم إثبات أن البروتينات يتم إنتاجها باستخدام الشفرة الجينية، حيث يتم ربط الأحماض الأمينية معًا بالترتيب الذى يحدده تسلسل الحمض النووى ثم ترتيبها فى شكل معقد لتكوين بروتين معين.
25 عاما على ميلاد النعجة دوللي
لم يتخيل أحد - مهما بلغ تصوره - أن تحتل صورة نعجة صدر صفحات الصحف والعناوين الرئيسية لنشرات الأخبار.. لكن هذه «النعجة» ليست نعجة عادية لكنها نعجة مستنسخة من خلية بالغة. كانت البداية فى 5 يوليو 1996 عندما خرجت النعجة، التى أطلقوا عليها اسم «دوللي» الى الحياة لتصبح أول حيوان ثديى يتم استنساخه من خلية بالغة على الرغم من أنه سبق وتم الإبلاغ عن بعض حالات استنساخ من الخلايا الجنينية. لكن تم استنساخ دوللى من قبل العلماء فى معهد روزلين فى إدنبرة باستخدام خلية ثديية من شاة بالغة تم زرعها فى بويضة من نعجة سوداء لتبدو دوللى وكأنها نعجة نموذجية تمامًا، وعاشت حياة طبيعية حتى أصيبت بالتهاب المفاصل تحديدا فى مفصل الساق الخلفية مع إصابتها أيضا بورم فى الغدة الرئوية، وهو فيروس يؤدى إلى ظهور ورم الرئة وهو شائع فى الأغنام وقد حدث لها ذلك بسبب تفشى المرض فى المختبر الذى وضعت فيه تحت الملاحظة، مما أدى إلى وفاتها فى سن السادسة فى عام 2003.
ورغم ذلك من الممكن أن نقول: إن دوللى عاشت وجودًا مليئًا بالتدليل فى معهد روسلين، حيث تزوجت ايضا وأنتجت خرافا صغيرة بشكل طبيعى، وبهذه الطريقة ثبت أن هذا النوع من الحيوانات المستنسخة يمكنه التكاثر.
وبعيدا عن ماهية الاستنساخ، وما إذا كان جريمة أخلاقية أم لا، فإن الاستنساخ فى حد ذاته يعد تقنية ليست بسهلة وينظر إليه فى أوساط تربية المواشى على أنه أداة مساعدة لتكاثر الحيوانات، ورغم اعتباره بمثابة تقدم علمى هائل، فإنه أثار جدلاً كبيراً حول إمكانية تطبيقه على البشر. فالحياة لم تكن سهلة على النعجة دوللى، إذ إنها شاخت بشكل مبكر.. فلقد توفيت بعد 6 أعوام فقط من مولدها فى حين أن عمر النعاج يصل أحيانا إلى 12 عاما. لكن دوللى عانت من التهاب المفاصل وأصيبت بعد ذلك بمرض فى الرئتين ما أدى الى قتلها عن طريق الموت الرحيم عام 2003 حيث تم تحنيط جثتها فى متحف أسكتلندا الوطني.
وقد تم استنساخ دوللى عن طريق أخذ نواة خلية من غدد الصدر من نعجة بالغة ونقلها إلى بويضة غير ناضحة منزوعة النواة، ومن ثم زرعوا الجنين الناجم عن هذه العملية فى رحم نعجة حاضنة. التقنية بالطبع لم تكن سهلة على الإطلاق هو استفادة الإنسان عن طريق المساهمة فى التخلص من مختلف الأمراض والاستفادة من الاستنساخ فى نقل الأعضاء، وكذلك زيادة أعداد الحيوانات التى من المفترض أن تنقرض فى وقت ما، وأيضا استنساخ حيوانات معدلة جينيا.
لكن يظهر الوجه الآخر القميء للعملية أو بمعنى أدق الحد الثانى للسلاح، وهو ولادة أجنة مشوهة وقصيرة العمر، وذلك لأن الخلايا التى يتم أخذها من الكائن الأصلى تكون فى مثل عمره أى أن عمرها كبير، وبالتالى فإن عمر الكائن المستنسخ يكون بنفس عمر الكائن الأصلي. كما لو تم فى الإنسان فإنه يعمل على وقوع خلل فى مبدأ الأمومة والأبوة، حيث إن الحيوان المستنسخ لا يكون لديه أب.
وبعيدا عن الاستنساخ فى الإنسان، فإنه منذ عام 1996 عندما وُلد دوللى تم استنساخ حيوانات أخرى من خلايا جسدية لإنتاج القطط والأرانب والحمير والخنازير والماعز والأبقار، فى عام 2004 تم استنساخ فأر باستخدام نواة الخلايا العصبية، مما أظهر أن النواة المانحة يمكن أن تأتى من أى أنسجة الجسم التى لا تنقسم عادة.