Close ad

د. إلهام سيف الدولة تكتب: الكبار في عيدهم بين عقد الصحة .. والمهارات الرقمية

5-10-2021 | 13:25

خير مفتتح لمقالي اليوم هذه التهنئة الرقيقة التي وجهتها السيدة انتصار السيسي بمناسبة الاحتفال والاحتفاء العالمي بيوم المسنين، حيث قالت: "نعتز باليوم العالمي لكبار السن، لنعبر عن تقديرنا للأجيال السابقة التي قدمت لنا الكثير من العطاء، لإسهامهم في تنمية الوطن، ونؤكد اهتمام الدولة المستمر بكبار السن وتوفير كافة متطلباتهم وسبل الدعم المختلفة".

كلمات تمدنا بمنطلق للتأمل في أهمية تخصيص عيد لهم؛ فمما لا شك فيه أن الاحتفالات الدولية والمناسبات المختلفة من شأنها أن تلفت نظر العامة من المواطنين في أنحاء العالم إلى القضايا المهمة التي تحيط بهم بإلقاء الضوء عليها، وتسهم في جذب القيادات السياسية للدول نحو شمولها بالعناية ووضع تلك القضايا -التي تبوأت مكانًا داخل أجندة الأمم المتحدة لاحتضانها والتنبيه إلى ضرورة حشد الجهود الدولية والموارد في استنهاض الحلول الناجعة لكل ما يحدق بها من مشكلات- نصب أعينها.
                                         
إن التقدم في العمر "الشيخوخة" أصبح في طليعة التحولات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين؛ فهي تلقي بظلالها على كافة مناحي الحياة المجتمعية، من حيث تأثيرها الملموس على أسواق المال والأعمال، وما ينطوي عليه من احتياجات خدمية ملحة والتطلع إلى الحياة الاجتماعية المستقرة ماليًا وصحيًا، فالمسنون في هذه المرحلة الحرجة من حيواتهم يلتمسون الرعاية الفائقة من أجل حياة ملؤها الطمأنينة والراحة والأمان.

لذلك حث عقد التمتع بالصحة المزمع على مدار ١٠ سنوات (من٢٠٢٠ وحتى ٢٠٣٠)، الحكومات والمجتمع المدني والوكالات الدولية ووسائل الإعلام والدوائر الأكاديمية وغير ذلك من المهنيين والقطاعات الخاصة على بذل الجهود تضافرًا وتحفيزًا للنهوض بهم لتحسين مستواهم المعيشي والحياتي على كافة الأصعدة، وأيضًا بغية تطوير المجتمع لكل الفئات العمرية، فلا نسقط من حساباتنا هذه الفئة المهمة الآخذة في التنامي وجودًا وعددًا، وفقًا للإحصائيات المتاحة التي توصلت إلى حقيقة أن تركيبة السكان على مستوى العالم تشير إلى أن المستقبل سيشهد ارتفاعًا ملحوظًا في متوسط الأعمار، وسيتضاعف بنسب متفاوتة بين الدول فيما يربو على مليار ونصف مسن ببلوغ عام ٢٠٥٠م.

وقد يرى البعض أن العناية بالكبار تقع أولًا وأخيرًا على عاتق الأبناء، إن صح هذا في الجانب الرعوي داخل إطار الأسرة والمنزل، إلا أنهم لن يستطيعوا تلبية احتياجاتهم خارجهما، فهناك حزمة من الخدمات مطلوبة من الحكومة والمجتمع من ضرورة توفير "حياة كريمة" لهم ومنحهم معاملة خاصة ومميزة داخل المصالح الحكومية والخدمات الصحية وعبر وسائل النقل والإسكان وغير ذلك.

وقد تم الاحتفاء بالكبار هذا العام ٢٠٢١ بموضوع مهم للغاية يتمحور حول المساواة الرقمية لجميع الأعمار بمفهوم تمكين المسنين أيضًا مثل غيرهم ممن هم أقل عمرًا من الوصول إلى العالم الرقمي والمشاركة البناءة فيه، وهذا يحتاج إلى ضرورة التوعية بمدى أهمية الإدماج الرقمي لهم، وهو اختيار حالفه التوفيق لما تتطلبه المرحلة الحالية من مواكبة للثورة الرقمية التي أدت إلى تشكل العقل الرقمي والإنسان الرقمي، فالحياة الرقمية دنيا جديدة وعالم من التفاعلات الرقمية الحرة، والخارجة عن السياجات السلطوية والمسيطرة على الحياة الفعلية.

الأجيال الرقمية تشكل الآن قطيعة فى العقل والمعرفة والإدراك والإبداع، والذائقة والاستهلاك الرقمى وفي حالة تصادم، وقطيعة مع العقل السياسي.. من هنا تبدو الفجوة الجيلية فى تمدد وتسارع فائق التغير، من ثم سنرى نتائج ذلك في التطور السياسي في أوروبا، وأمريكا، وفى آسيا الناهضة حول الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة.. إلخ. 

بينما ستتفاقم الفجوات الجيلية في عالمنا العربي الكبير، من ثم نحتاج إلى سياسة تعليمية وثقافية مغايرة جذريًا عن السائد عربيًا، وإلى تجديد الطبقات السياسية بالأجيال الجديدة، لأنها لن تسكت إزاء الديكتاتورية الجيلية السائدة، فلنبدأ الآن حيث الثقافة والتعليم والصحة والتقنية والرقمنة هى الحل، على حد قول كاتبنا نبيل عبدالفتاح فيما تناوله حول الفجوة الجيلية في عالمنا العربي.

إن الحياة الممتدة للكبار تنطوي على فرص لهم ولعائلاتهم وبطبيعة الحال مجتمعاتهم في تحقيق أهداف خاصة تشتمل على زيادة التعليم لمن حرموا منه في صباهم لأسباب مختلفة وأرادوا استدراكها دون اعتبارات للمرحلة العمرية المتقدمة التي أصبحوا عليها؛ ومنها الاندماج في النشاطات المختلفة شريطة تمتعهم بحالة صحية وعقلية ونفسية وجسمانية تؤهلهم للاندماج في المجتمع واستكمال رحلة العطاء التي تشعرهم بجدوى وجودهم على قيد الحياة، وقيامهم بدور يسد حاجة في المجتمع - مهما كان حجمها - ويبعد عنهم شبح التفكير السلبي في عدم جدوى الحياة وتفضيل الرحيل عن اكتمال الرحلة، ويقعون تحت دائرة مرض الاكتئاب وهو  أخطر مشكلة صحية يمكن أن تواجههم، بحسب المختصين، فهو أكثر انتشارًا فى السن المتقدمة ويسبب تدهورًا سريعًا فى حالة المسن وصحته العامة يهدد بحدوث اضطرابات عضوية كالجفاف والهزال وهبوط القلب أو الكلى؛ وذلك لأن المسن المكتئب يهمل طعامه وشرابه والاكتئاب فى هذه السن بالذات يسبب آلامًا شديدة يشعر بها المريض فى أي مكان فى جسده، فيصرخ المسن أحيانًا كالطفل ويحتار المحيطون به فى كيفية مساعدته.

وتزداد شكوى المسن وآلامه ولا شيء يهدئ منها، وتتعاظم آلامه النفسية عندما يتعرض للنبذ أو الإهمال ممن حوله، فهو في حاجة دائمًا للاهتمام والحب وأن يستشعر أهمية لوجوده وأن له دورًا يؤديه.

هذا لا يتأتى إلا بسد الفجوات والحاجات المعرفية المستحدثة لديهم حتى يستطيعوا المضي قدمًا في منظومة التطور الرقمي، جنبًا إلى جنب مع أبناء عالم الشبكات العنكبوتية والثورة الرقمية، واستيعاب هذا التقدم التكنولوجي المتسارع حتى يندمجوا في المجتمع ويصلوا لصيغة تفاعلية مع كل ما يدور من حولهم..

المسنون يستحقون كل ما يتطلبه  هذا الأمر من الإدارات السياسية والجهات المعنية.. إنهم درة تاج كل المجتمعات.. أليس كذلك؟!

أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون حاليًا ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي سابقًا

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة