أم الشهيد : كان مبتكرا ولين القلب وبيغسل رجل جده بالماء الساخن
زوجة الشهيد: كان بيساعدنى فى شغل البيت وكانت أمنيته "الشهادة"
والد الشهيد: إدراج قصص الشهداء ضمن المناهج الدراسية لمحاربة الإرهاب الأسود
الشهيد مصطفى الخياط
"بطل عشق ثري هذا الوطن عز عليه ألا يهب روحه بل ويفنى عمره فى خدمته والدفاع عن أراضيه حتى اختلطت دماؤه بماء النيل الطاهر لتأخذه إلى مكانته المستحقة بين الأمم، فأصبح بطلا وقدوة لكل من حوله.
وتحمل قصة حياته دروساً يستفيد منها الرجال فى فن التعامل مع زوجاتهم وتقديس حياتهم الزوجية، والنساء عن كيفية تربية أبنائهم وغرس قيم أخلاقية بداخلهم تعلمهم الاعتماد على الذات وتحمل المسئولية منذ نعومة أظافرهم
الشهيد مصطفى الخياط
هو العقيد صاعقه مصري مصطفى محمد نجيب الخياط من مواليد الإسماعيلية، بطل مصر في السباحة بالزعانف، وكان يمثل منتخب مصر في عديد من الدورات الأوليمبية العربية والدولية وكان عضواً بالاتحاد المصري للغوص والإنقاذ استشهد بطلا صائماً في ٤/١٦ /٢٠١٨ الموافق الاثنين أثناء مداهمة الإرهابيين داخل سيناء حفاظا علي الأرض والعرض، رجل كانت التضحية وحب الوطن متمكنة من كل عقله ووجدانه.
بوابة الأهرام حاورت أسرة الشهيد الذي افنى عمره فى خدمة وطنه لسرد محطات حياته بدءاً من طفولته وحتى حادث استشهاده.
طفل مبتكر قادر على تحمل المسئولية
في البداية تحكى ( منى بشري) والدته عن طفولة البطل مصطفى الخياط قائلة (كان أول فرحتي ونابغا منذ صغره وموهوب رغم" شقاوته" ومتفوقا على أقرانه فكان مكتشف صغير يهوى الفك والتركيب وغرفته كانت ميدان من الفوضى الممتلئة بقطع الألعاب المستقلة بذاتها فكان هدفه من شراء الألعاب هو تفكيكها والتحقق من طبيعتها واكتشاف ما بداخلها، في البداية كان يستشيط غضبي ولكن حينما قرأت عن فائدة ذلك في زيادة معدلات ذكاء الأطفال تركته لكي يكتشف ما حوله لمساعدته على تنمية قدراته .
وتابعت حينما وصل الثانية عشر من عمره عشر كان يمتلك إحساس بضرورة الاعتماد على النفس والمسئولية الكبيرة اتجاه أشقائه و أعتبر رعاية شقيقه الصغير "معتز " ضمن مسئولياته دون إجبار من أحد، فكان يصمم أن يتولى أمره بمثابة أب بديل رغم تواجد جدته وخلال فترات غيابي في العمل، فكان يغير له الحفاض ويعد له الرضعة.
الدولفين.. مبتكر بوصلة أثارت دهشة الهولنديين
لقب بالدولفين .. فكان منذ بداياته عاشقاً للسباحة وحصل على عدة بطولات فى سباحة الزعانف وكان لديه طاقة من الإصرار والعزيمة لا مثيل لها استطاع من خلالها أن يصل إلى مكانه عالمية بارزة واستطاع بجدارة أن يصل عبر مشواره الرياضي أن يحقق إنجازات مذهلة وكان يمثل مصر فى عدة دورات أولمبية عالمية منها هولندا والنمسا وأسبانيا والأردن وأمريكا حتى حصل على المركز الأول ونال العديد من الميداليات الذهبية حتى أصبح لاعباً دولياً، ولأنه محب للابتكار كانت أول ابتكاراته بوصلة برفاص مقاومة للماء للاستدلال على الاتجاهات أقدم على استخدامها فى إحدى بطولاته فى هولندا مما أثار دهشة الهولنديين ببراعته .
كانت لياقته البدنية والجسمانية سببا فى وقوع اختياره للتقديم بالكلية الحربية للالتحاق بوحدات الصاعقة ،وعلى الرغم من ترشيح مكتب التنسيق له بكلية التجارة بعد مرور شهر تم قبوله فى الكلية الحربية،وعندما تلقي الخبر أصابه الذهول ولم يتمالك نفسه من شدة فرحته وظل يحتضن جده وجدته وهرول مسرعا واتصل بى هاتفيا لكى يبلغنى بالنبأ السعيد نظرا لعدم تواجدى فى مصر وقتها وسفرى لإعارة بدولة اليمن حينما كنت أعمل موجهة بالمعاهد الأزهرية ، وخلال فترة دراسته فى الكلية الحربية كان طالبا مجتهدا وأثبت تفوقه وحصل على العديد من شهادات التقدير سعيا وراء هدفه الذي طالما حلم به وهو الالتحاق بوحدات الصاعقة المصرية والحصول على عدة ترقيات وصولا بترشيحه بالفرقة ٧٧٧)ومكافحة الإرهاب الدولى.
طباخ بارع
حاولت أن أزرع في مصطفى سلوك الاعتماد على النفس منذ نعومة أظافره هو وأشقائه وإشراكهم فى اتخاذ القرارات والمناقشة فيها لكى يكونوا رجال قادرين على مواجهة التحديات دون وصاية من أحد واجتياز صعوبات الحياة، فكنت دائما أحاول أن يشاركون فى كل شيء حتى الأعمال المنزلية وإعداد الطعام وخاصة وجبة العشاء فكنت أطلب منهم أن يعدوها بأنفسهم حتى صارت عادة لا يتخلون عنها جعلت من "مصطفى" طباخ ماهر بارع فى إعداد كافة أنواع الأسماك التى اعتدنا على تناولها من عمل يديه خاصة خلال فترة عطلاته لكى نستمتع بمذاقها الطيب.
الشهيد مصطفى الخياط
يصل رحمه ويرعى جده
ه تقول (طيبة قلبه والتسامح حتى فى أصعب المواقف والكف عن الأذي، فكان منذ الصغر طفلا اجتماعيا محبوبا من جميع من حوله ويشارك فى استقبال الضيوف ، يميل للضحك والفكاهة فلا يمكن أن تمل أبدا من الحديث معه، فكانت ابتسامته المميزة تضيء لها حياتها ، وكان يصل رحمه بالكلام الطيب ويعشق التجمعات العائلية التى كان يحرص على حضورها والاستمتاع بها خلال فترة عطلته، مضيفة أن لين قلبه وحنينه لا تضاهى وحبه لجده وجدته ليس لها حدود فكان يحرص على رعايتهما وغسيل قدم جده بالماء الساخن وقص أظافره خوفا عليه من مضاعفات مرض السكرى، وأما عن جدته فكان يودها دائما وحينما نبلغه أنها مريضة فكان يصمم على حملها على كتفيه بمفرده حتى سيارته والذهاب بها إلى أقرب طبيب للاطمئنان عليها .
خبر استشهاده وهو صائم
وأما عن كيفية استقبالها لخبر استشهاده تحكى: (كنت جالسة على الأريكة أشاهد قناة الأخبار وحينها ذاعت القناة تقريرا عن أهالى شهداء حادث العريش فسيطرت على حالة من الحزن الشديد وانغمرت فى البكاء على حالهم وظللت أدعو الله أن يلهمهم الصبر ،وحينها شعرت بشيء عميق فى قلبي يتأذى وضيق فى صدرى لا أعلم مصدره ،بعدها سمعت رنين هاتفى الجوال وإذا به (أحمد ) نجلى الأوسط يبلغنى بصوت حزين مبحوح أنه يريد تناول وجبة الغداء معى ،وحينما سألته عن سبب تغير نبرة صوته اخبرها أن هناك خلافات نشبت بينه وبين زوجته وبعدما أغلقت الخط فلم يتعدى الوقت الخمسة دقائق وفجأة رن جرس الباب ووجدت "أحمد" وبصحبته أقرانه وأبناء أعمامه وعمته جميعهم داخل شقتها وحينها تيقنت أن هناك أمر ما ليس بهين وأول ماجال بخاطرها هو أن يكون قد أصاب مصطفى مكروها وحينما تلي على مسامعها خبر وفاته ،قاطعته قائلة (لا لا فى حاجه غلط أكيد هو مصاب ودلوقتي هيقولوا فى قناة الأخبار متخافش هو عايش ), فما كان له سوى الجلوس على الأرض يستند ذراعيه على ساقيها منهمرا فى البكاء ليخبرها (مصطفى أستشهد ياماما مصطفى خلاص مش هنشوفه تانى)، ففزعت الأم إلى غرفته لتحتضن بين ذراعيها صورته وتذرف دموعاً ملتهبة كادت انت تشق مجرى عيونها من شدة حراراتها وهى تتمتم بصوت عالى (يارب ابنى ...اللهم انى لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه)
فأستيقظ أبيه منتفضا صارخا حينما سمع صوت زوجته وظل يردد ( إبنى يارب مصطفى ، لا إله إلا الله ،يارب يارب ).
(متزعليش ولا تحزنى أفتخرى أن ابنك شهيد )... جملة رددها العديد ممن حرصوا على تأدية واجب العزاء من الأهل والأقارب والمعارف وحتى الأغراب الذين اكتظت بهم شوارع منطقة الإرسال بالقرب من قناة السويس مسقط رأس الشهيد مصطفى الخياط ، وتشييع جنازته وتأدية واجب العزاء ،فما كانت تتصور الأم المكلومة كل هذا الحب والعطاء من أشخاص لم تراهم من قبل حرصوا مواساتهم والوقوف بجانهم والدعاء لهم بالجبر والصبر والسلوان من أجل التخفيف عنهم ،وخلال العزاء أصر رجل مسن يبدو علي ملامحه الشقاء أن يتحدث إليها وحينها أخبرها العجوز أنه لم يقابل الشهيد مصطفى سوى مرة واحدة حينما تعطلت دراجته وكان من الصعب عليه حملها فظل على الرصيف منتظراً مساعدة حتى ظهر مصطفى وهو يسير بخطى مسرعة لأداء تمارينه الرياضية وعرض عليه مساعدته دون إن يطلبها وظل يحمل دراجته لمسافة طويلة حتى وصل إلى منزله وحينما أراد توجيه الشكر له وسأله عن اسمه رفض أن يقول شيئا وطلب منه الدعاء له ،ولكن العجوز الذي لم ينسي موقفه النبيل حضر لتقديم واجب العزاء لأسرته بعدما شاهد صورته فى التلفاز.
ومن المواقف النبيلة التى لا تغيب عن ذهن والدته هو إهتمام القيادة السياسية الحكيمة ومساندتها لكل أسر الشهداء بالإضافة إلى قضاء أول أيام العيد بعد إستشهاد البطل مصطفى الخياط بصحبة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال إحتفالية كبري لأبناء الشهداء لتكريمهم ولكى يستطيع مؤاذرتهم والتخفيف عنهم وإدخال السرور والبهجة على قلوبهم التى ذاقت مرارة الفراق ،وتوفير خدمات مميزة لهم لمساندتهم ودعمهم كمحاولة لرد الجميل .
وتابعت أم الشهيد أن جميع قيادات الجيش وزملاء مصطفى ودفعته فى الفرقة 95 حربية لم تترك أولاده لحظة واحدة ففى كل عيد يكونوا أول الزائرين محضرين معهم الحلوى والكعك، وفى شهر رمضان إعتادوا على دعوتهم على وجبة الإفطار داخل أحد المطاعم بالقاهرة ،فضلا عن مشاركتهم فى كل المناسبات والوقوف إلى جانبهم فى الأزمات و تنظيم رحلات كل فترة لاصطحاب أولاده حتى لا يشعروا بفقدانهم لوجود والدهم وكان أخرها تنظيم رحلة لأهالى الشهداء فى العين السخنة قضوا فيها وقتا سعيدا لمدة يومين.
احنا بنحارب شبح يا أمى
يا أمى إحنا بنحارب شبح احنا مش شايفينه ومش عارفين هيطلع مين من اللى حوالينا ،ياريت كانوا مش مصريين على الأقل كنا نعرف عدونا ،اما دول مننا ومصريين زينا وبيكفرونا لمجرد أننا مش عايزين نشاركهم فى أذي أهالينا وخيانتهم لوطنهم ،بياخدوا تمن دمنا عشان يعيشوا بره مصر هما وعيالهم يتمتعوا بيه واحنا هنا واقفين فى عز الحر وبنواجه الموت كل دقيقة عشان كل همنا حمايتهم هما وأهاليهم.،إوعى يا أمى تزعلى لو موت شهيد أنا بتمناها من ربنا عشان أكون سبب فى دخولكم الجنة ) كلمات تذكرتها أم الشهيد فى أخر حوار دار بينهما قبل إستشهاده بعدة أيام ،لتردد ناهية حديثها (حسبي الله ونعم الوكيل فيهم ،سأقتص منهم يوم القيامة ) تعبيرا عن حرقة قلبها على فقدان فلذة كبدها وأول فرحتها موجهة رسالة قاسية لكل التكفيرين والإرهابيين ممن سفكوا دماء أبطال ضحوا بأرواحهم من أجل أن نظل على قيد الحياة.
الشهيد مصطفى الخياط
قصص حياة الشهداء ضمن المناهج الدراسية
أما والد الشهيد (محمد نجيب ) أحد أبطال حرب أكتوبر المجيد عبر عن أمنيته فى تدريس قصص الشهداء الباسلين وإدراجها ضمن المنهج الدراسي بداية من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية لكى نربي النشأ على حب الوطن وزرع الإنتماء بداخلهما حتى لايقعوا فريسة للإرهاب الأسود ،فضلا عن إصدار كتيب صغير يحكى قصص حياتهم و تكون متوفرة للعامة لكى يستفيد الشباب من خلاصة تجاربهم الحياتية ويتعلموا كيفية إدارة كافة أمورهم لكى يصبحوا رجال قادرين على تحمل المسئولية .
الشهيد مصطفى الخياط
ويحكى الأب عن إحدى بطولات إبنه التى لاقت إستحسان وإعجاب الراحل المشير محمد حسين طنطاوي ،والذي أخذ يصفق له هو هو وأفراد كتيبته تعبيرا عن إمتنانه لهم وشجاعتهم حينما إستطاعوا تحرير تسعة عشر سائحاً ، وذلك فى عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك حينما تم اختطافهم ونقلهم خلسة إلى "الإتشاد" بعد عملية قامت بها القوات الخاصة المصرية على الأراضي الإتشادية حتى وصل بهم إلى مطار ألماظة سالمين.
براعته فى اكتشاف الألغام
وأكد أن البطل مصطفى الخياط كان دائما يتمنى الشهادة ويفضل أن يكون فى مقدمة الكتيبة أثناء المداهمات وعمليات الإقتحام نظرا لبراعته فى إكتشاف أماكن الألغام وخوفا من أن يصيب أحد من زملائه مكروها،كما أنه قبل إستشهاد البطل مصطفي الخياط الملقب ب أبو شنب بثلاثة أشهر عين عضو فنى فى إتحاد الغوص والإنقاذ،وينهى حديثه قائلا: (بيادة الجيش فوق دماغى ولو طلبوا روحى أو حد تانى من عيالى فى سبيل الوطن لن أتردد فى تقديم دماؤنا فداء مصر ،احنا بنصلي وبنصوم وبنخاف ربنا احنا نتبع الدين الإسلامى الصحيح الوسطى إما هما بيتبعوا دين اللى بدفعلهم أكتر لهدر دماء أولادنا ...ربنا ينتقم منهم )
زوج لن يتكرر
قبل ما يكون زوج هو كان ابن خالتى وصديقي واخويا وسندى اللى بلجأ له وقت الشدة قبل ما يصارحنى بحبه ليطلب منى الزواج )هكذا
بدأت الدكتورة رضوى جعفر زوجة الشهيد الباسل مصطفى محمد نجيب الخياط الملقب ب "أسد الصاعقة"حديثها ، مؤكده إنه إعتاد على تخصيص يوم الخميس لأسرته أثناء عطلته ويطلب منها أن تفتح له قلبها ليتسامرا معا ويسيران سويا على شاطىء البحر أيديهما متعانقتان يشاهدان بحر الإسماعيلية الساحر بأمواجه الهادئة المتعاقبة ويتابعان الشمس وهى تغرق فى مياها ،وفى الليل يستمتعوا بمشاهدة التلفاز بصحبة أطفالهم وهم يتناولون الحلوى والفشار .
الشهيد مصطفى الخياط
وتستكمل حديثها قائلة (مشتاقة لرشفة قهوة بالشيكولاته من اللى إعتاد على تحضيرها لى فى الصباح الباكر أثناء أيام أجازاته )، مضيفة أنه كان يحب أن يشاركها فى الأعمال المنزلية وحتى تحضير الطعام وكان يفضل أن يعد وجبة الإفطار بنفسه كل صباح فكان فنجان مميز ،مؤكده أن زوجها كان كالملاك يقدس حياته الزوجية ويعشق أسرته ويشاركها كل إهتماماتها حتى وإنه كان يساعدها فى تحضير رسالة الماجيستير بالطب البيطرى فكان رجلا بمعنى الكلمة لن يتكرر أبداً
أب مثالى
كان قدوة لأولادة يتعمد فك وتركيب الأجهزة الإلكترونية والألعاب أمامهم حتى يحثهم على الإبتكار ،وغرس قيم أخلاقية بداخلهم مثل مساعدة الأخرين فمثلا حينما يرى رجل مسن بحمل شيئا ثقيلا يطلب من إبنه مؤمن أن يذهب لمساعدته ،بالإضافة إلى تخصيص يوم من كل عطلة إسبوعية لإصطحاب نجليهما لزيارة المتاحف والأماكن التاريخية لكى ينمى بداخلهما حب الوطن ،وكانت أخرها المتحف الحربي،وتحكى إنها فوجئت بزوجها وهو يقود السيارة حينما يخرج رأسه من نافذة السيارة داعيا الله عز وجل قائلا (يارب نفسي أنال الشهادة وأنا واقف على رجلى ومتوجعش وأرجع لأهلى كامل )،حينها أثار إستيائي وقالت له (حرام عليك يامصطفى ليه كده طب والولاد) فرد عليها قائلا (أنا بكلم ربنا وانا لما أستشهد هيبقي كده خلاص أديت رسالتى ونجحت فى الامتحان وانتوا ربنا هيتولاكم برحمته ومش هيسيبكم أبداً )
شامم ريحة الشهادة
وفى إحدى الأيام وقبل وفاته بأربعين يوما فقط تلقيت منه مكالمة هاتفية أخبرنى فيها عن إستشهاد صديق عزيز له مقرب من العائلة من مدينة الإسماعيلية ،ولقيته بيقولى( اسمعى أنا مش هحضر جنازة حد من زمايلي تانى أنا اللى عليا الدور أنا شامم ريحة الشهادة وشكلها قربت )
الشهيد مصطفى الخياط
حلم مخيف ولحظة تلقي خبر إستشهاده
كان بقالى خمس أيام بحلم إن أهلى بيبلغونى بخبر وفاته وفى كل مرة كان البكاء داخل الحلم بيقل واستيقظ مفزعة من نومى ،حتى جاء اليوم السادس كنت فى المطبخ أعد وجبة ساخنة لأطفالى ،حتى دق جرس الباب ووجدت أشقائى جميعهم على غير العادة ،فشعرت أن الأرض تهتز تحت قدمى ولا أستطيع التحكم فى توازنى خاصه وأنا أرى الحلم المخيف يتحقق أمامى فرددت قائلة (مصطفى جراله حاجه ) حتى رد أخى باكيا (إن لله وإن إليه راجعون) ،لم أتمالك أعصابي وظليت أصرخ موجهة ضربات بقبضة يدى على صدره ثم قبعت على الأرض قائلة (بالله عليك عايزة اشوفه بقالى ١٦يوم ماشوفتهوش ،أوعى تخليهم يدفنوه من غير ما أشوفه ) .
وبعد ساعات أيقنت أنه لا مفر من مصارحة أطفالى حتى يستطيعوا إلقاء نظرة الوداع الأخير على والدهما ،وبصوتا خافت قلت لهم (إيه هى أكتر حاجه كان بيتمناها بابا ،فرد مؤمن الطفل الأكبر وهو يضع أصبعيه فى أذنيه من هول الصدمة ليطالبنى بالتوقف عن الحديث حتى أخبرها صغيرها مالك :( بس كده بابا هيوحشنى أوى ياماما ) ، ثم طلبت منهم أن يرتدوا ملابسهم الجديدة التى اشتراها لهما والدهما مؤخرا لكى يستطيعان توديعه وتشييعه إلى مثواه الأخير خاصة وأن روحه ستكون حاضره وسيراهما،مؤكدة أنها دائما تشعر بوجوده هى وأطفالها خاصة أثناء زيارتها لقبره والتحدث معه فى أمور يصعب عليها أحيانا إتخاذ القرار فيها قائلة : (بحس أنه بيطبطب عليا ).
الشهيد مصطفى الخياط
نفسي أشوف بابا
عن أصعب اللحظات التى مرت بها بعد وفاة زوجها ورفيق دربها هو شعور نجلهما مؤمن بالحزن حينما تقع عيناه على طفل ممسكا بيد أبيه فتغمر عينيه الدموع ويشرد ذهنه ليخبرها أنه يشتهى النظر إلى وجه والده وعودته ولو للحظة واحدة ،فما كان لها سوى أن تعينه على تحمل ما صابه الأليم بالصبر قائلة له( بابا سابك عشان بيبنى لينا بيت كبير فى الجنة عشان نعيش فيه كلنا وارفع راسك لأنك إبن بطل كل الناس بتتمنى تبقي زيه وبيفتخروا بيه)
ومن ضمن المواقف النبيلة التى تعبر عن دماثة أخلاقه ،فتذكر له حينما كان فى إحدى العمليات الخاصة بمداهمة شقة أحد الإرهابيين المطلوب القبض عليهم ،رفض أن يتم إقتحامها وفضل أن يضحى بنفسه ويعرض نفسه للخطر ويدخل بمفرده اولا لملاحقته حتى لا يتسبب فى خسائر للمدنيين وهو ما يتم إتباعه من جميع قيادات الجيش حفاظا على أرواح المواطنين والمدنيين ،حتى إستطاع القبض عليه دون إحداث أية خسائر .
وأضافت أنه كان معتادا على تناول الطعام مع العساكر ولكن فى يوم استشهاده كان صائما لأنه اعتاد صيام يومى الإثنين والخميس كعادة أسرته، فحينما عرضوا عليه الإفطار أخبرهم بأنه صائم وذهب لإعداد شنطة ملابس بنفسه وأصر على ترتيبها حتى جاء أمر بعملية إقتحام أصر على استكمالها حتى بعد تلقي الرصاصة الأولى رغم محايلات العساكر حتى تلقي رصاصة أخرى أذهقت روحه الطاهرة.
رسائل أولاده وزوجته وأما عن رسائل أولاده تكمل أرملة شهيد الكرامة حديثها قائلة (مالك ومؤمن نفسهم يطلعوا ضباط صاعقة مثل أبيهم ودائما يعبرون عن رغبتهم فى استكمال مسيرة والدهم، لتنهى حديثها قائلة إذا كنت خسرت زوجى واستشهد فى سبيل مصر فأنا بقدم أولادى فداء الوطن وإن شاء الله هربيهم كويس حتى يصبحوا من خيرة الرجال للدفاع عن وطنهم والتضحية فى سبيل أمن واستقرار بلادهم).