أعادت التأثيرات الشديد لفيروس كورونا المستجد على الجهاز المناعي مصطلح «العاصفة المناعية» إلى الواجهة، فمن المعروف أن الجهاز المناعي هو خط الدفاع الأول عن الجسم ضد الأمراض، وفي حالة الإصابة بعدوى ما تتجمع الخلايا المناعية لتقضي عليها، ثم يقوم الجسم بتكوين ما يعرف بالأجسام المضادة لتعطي الجسم مناعة ضد الإصابة بهذه العدوى مرة أخرى.

لكن فيروس كورونا الذي مازال يعصف بالبشرية، لم يرحم الجهاز المناعي، حيث إن هناك عواصف داخلية تهاجم الجسم نتيجة الإصابة بالفيروس، قد تسبب عواصف تسمى "سيتوكين"، والتي تشكل خطرا داخليا ما زال العلماء والأطباء يبحثون في حقيقته، هذه العاصفة التي يحدثها جهاز المناعة تفسر الكثير من التخبط والمقاومة التي يقوم بها الجسم نتيجة الإصابة بالفيروس.

وأثبتت الدراسات أن حوالي 20 إلى 30% من المرضى الذين تم إدخالهم إلى المستشفى مصابين بفيروس كورونا، يصابون بمظاهر مناعية شديدة، تؤدي في بعض الحالات إلى عواصف خلوية "عاصفة السيتوكين"، مع تلف أعضاء يهدد الحياة وخطر كبير للوفاة.

ما هي عاصفة السيتوكين؟ وهل تصيب جميع مرضى كورونا؟ وهل تدمر الرئة عند مرضى الكوفيد_19؟ وإلى ماذا توصل العلم والأبحاث حول هذه الظاهرة المسئولة عن 90% من حالات الوفاة بالمرض؟ الإجابة على كل هذه التساؤلات توضحها "بوابة الأهرام" في التقرير التالي.

ما هي العاصفة  المناعية "السيتوكين"؟

السيتوكين، هو في الأساس بروتين "بروتين سكري"، تنتجها أنواع مختلفة من خلايا الجسم، تساعد في العديد من وظائف الجسم والتي تشمل المناعة والاستجابات الالتهابية، ومع ذلك يمكن أن تسوء الأمور بشكل رهيب إذا أطلق الجسم الكثير من السيتوكين، فيمكن أن يؤدي إلى رد فعل يمكن أن يصبح قاتلا، وتسمى الظاهرة التي يطلق فيها الجسم الكثير من السيتوكين بـ"عاصفة السيتوكين".

وخلال هذه العاصفة المناعية، يبدأ الجسم في مهاجمة الخلايا والأنسجة بدلا من محاربة الفيروس، ويتدفق الدم لمرضى كورونا بنسبة عالية من بروتينات الجهاز المناعي، والتي تسمى السيتوكينات، ويحدث هذا عادة في حالة أمراض المناعة الذاتية، في بعض علاجات السرطان، ووفقًا للدراسات، فإن شدة عاصفة السيتوكين التي يتسبب فيها كوفيد-19 قوية جدًا.

أسباب حدوث العاصفة المناعية "السيتوكين"

اكتشف العلماء أن سبب حدوث عاصفة السيتوكين عند بعض مرضى كوفيد-19، هو وجود بروتين galectin-9 في دمهم بشكل مرتفع جدا مقارنة بمرضى نقص المناعة البشرية، الذين عندهم مستوى هذا البروتين يكون عادة أعلى من المعتاد، وكلما كان مستوى البروتين مرتفعا تزداد المضاعفات الخطيرة.

ويرتبط هذا البروتين بالخلايا المناعية في الجسم، التي تبدأ بإفراز السيتوكينات المسببة للالتهابات ردا على العدوى، ما يؤدي إلى إتلاف الخلايا وإفراز الجسم للمزيد من السيتوكين، وقد تؤدي هذه العاصفة إلى وفاة المريض، خاصة وأنه حاليا لا توجد أدوية تكبح نشاط هذا البروتين عند الإنسان.

متى تقتل الخلايا نفسها؟

من المعروف أن فيروس كورونا ينسخ نفسه بسرعة كبيرة بمجرد أن يتمكن من إصابة الخلية، مما يخلق الكثير من التوتر في فترة زمنية قصيرة، تستشعر الخلية شيئًا غريبًا ويكون رد فعلها الفوري هو قتل نفسها حتى لا ينتشر الجسم الغريب إلى الخلايا الأخرى، ولكن عندما تفعل العديد من الخلايا هذا معًا، يمكن أن تموت الكثير من الأنسجة، وهذا يصبح خطيرًا على الأكياس الهوائية الدقيقة في الرئتين عندما تبدأ الأنسجة في التحلل، يمكن أن تسبب الالتهاب الرئوي وحتى تجويع الدم من الأكسجين.

وأثبتت دراسة لعالم الفيروسات والمناعة موكيش كومار من جامعة ولاية جورجيا، أنه بشكل أساسي، ستموت معظم الخلايا بسبب عاصفة السيتوكين، فهو يأكل في الرئة حتى لا يمكنهم التعافي، حيث يبدو أنه يلعب دورًا في الموت في عدد كبير من الحالات، يبدأ هذا في الرئتين ولكن سرعان ما يبدأ التأثير على الأعضاء الأخرى أيضًا.

وبمجرد أن تدمر عاصفة السيتوكين الرئتين، يفشل الأكسجين في الوصول إلى كل جزء من أجزاء الجسم، مما قد يؤدي إلى تضخم الشرايين، مما يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية، هناك أيضًا خطر حدوث تجلط الدم أو تخثر الدم، وهو أمر قاتل.

هل تحدث العاصفة المناعية "السيتوكين" لجميع مرضى كورونا؟

الدكتور أمجد الحداد، رئيس قسم المناعة والحساسية بالمصل واللقاح، يؤكد أن العاصفة تحدث في حالات نادرة لمرضى كورونا، حيث يكون رد فعل الجهاز المناعي عنيفا، تنتج عنه كميات كبيرة من الخلايا المناعية القاتلة.

وخلال مهاجمتها للفيروس تؤثر هذه الخلايا القاتلة على عدة أعضاء في الجسم من ضمنها الرئة، لتسبب آثارا تنفسية خطيرة مثل التليف الرئوي، ونقص الأكسجين، وقد تؤدي إلى الوفاة في حالة حدوث فشل تنفسي للمريض.

متلازمة ما بعد كورونا

ويوضح رئيس قسم المناعة والحساسية بالمصل واللقاح، لـ "بوابة الأهرام"، أن عاصفة "السيتوكين"، تكون مسئولة في حالات كثيرة عما يعرف بمتلازمة ما بعد كورونا، حيث تسبب مضاعفاتها مشاكل تنفسية مثل الالتهاب والتليف الرئوي، وآلام العظام، وبعد الشفاء من كورونا قد تسبب كحة متواصلة، وتعرقا وطفحا جلديا، وتورما، وآلاما في العضلات.

كما أن بعض حالات كورونا التي يوجد لديها درجة عالية من العاصفة المناعية، يجب عليهم تلقي مُثبط للمناعة لتقليل فعاليتها بالجسم لفترة مؤقتة، ولابد أن يكون تحت إشراف طبي كامل، لأن الحالة يمكن أن يحدث لها تدهور في وقت قياسي بسبب العاصفة.

كيفية منع العاصفة المناعية "السيتوكين" 

يصف الأطباء بعض الأدوية لمنع الجسم من مهاجمة نفسه في حالة رؤيته تهديدًا، قد يكون هذا منقذًا لأرواح العديد من مرضى كورونا، ومع ذلك، فإن استخدام هذه الأدوية تجريبي ولا يوجد دعم علمي قوي لإثبات كيفية استخدامها.

ونظرا أنها تحدث هذه الفترة بسبب الإصابة بفيروس كورونا، فإن الحل الوحيد لتجنب حدوثها بحسب الدكتور أمجد الحداد، هو الحصول على لقاح كورونا، حيث إنه يعمل على تقليل مخاطر أعراض كورونا، ويجعل الإصابة من متوسطة لبسيطة، ويعطي مناعة تستطيع مهاجمة الفيروس وبذلك لن تحدث العاصفة المناعية.