Close ad

إن العيون التي في طرفها «جراحة» (3-3)

15-9-2021 | 00:50

نظرة (13):
ما إن أذن الله تعالى بإزالة الغشاوة التي حالت دون الرؤية إلا قليلا، حتى تضرع القلب إلى المنعم العظيم أن لا يُحرم أحدٌ سواء من المحبين والمحبوبين أم من المقربين والبعيدين، من نعمة البصر، وهي نعمة كبرى، لكن أكثر الذين اعتادوا على النعم لا يشعرون. 
 
نظرة (14):
سبحان الله.. «نعمة واحدة» لا نستطيع أن نحصيها فما بالنا بـ «نعم» الله؟! ولقد وردت هذه الآية الكريمة}وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا { في القرآن العظيم مرتين، الأولى في سورة إبراهيم: }وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ{(الآية:34) والثانية في سورة النحل: }وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{(الآية : 18) وتعد الفاصلة مناسبة لسياق كل منهما، وبمثابة رحمة به وإرشاد له، بأن يتعرف على الغفور الرحيم، فهو الغني عن عباده، وإنما نحن الفقراء إليه } يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{ (سورة فاطر الآية : 15).
 
نظرة (15):
هذه كتلة سردية مكثفة كقنينة عطر سكبها الرائع (جلال الدين الرومي): لعل الأشياء البسيطة هي أكثر الأشياء تميزًا، ولكن ليست كل عين ترى.. والنور الذي في العين فليس إلا أثرًا من نور القلب، وأما النور الذي في القلب فهو من نور الله، نعم من قال إن العين تفرز الدمع، الدموع الحقيقية هي بخار الروح المتألمة..!
 
نظرة (16):
في خلوتي - والخلوة جلوة - كان هذا السؤال يشاغلني: من هو الأعمى؟ ذلكم في أجواء إراحة العيون وإسدال الستار إلا قليلا عن ثرثرة الأمور الحياتية واعتزال كوكب الميديا إجباريًا، كنت في كوكب النسق الصافي لحديث القلب مع الذين يتحاورن بلغة القلوب، لغة الأعماق البعيدة، التي لا تعرف حدود الجغرافيا ولا تعترف بتقسيم التاريخ، وتتجادل صهيلًا وتحقيقًا وهمسًا وتحديقًا.. 
 
نظرة (17):
خرج أعمى ليشرب من النهر وبيده مصباح ينير به طريقه.
فسأله أحد المبصرين: لماذا تحمل المصباح وهو لا ينفعك؟
 قال: أحمله لكي لا يصدمني المبصرون!!
 
نظرة (18):
كأن الإمام العظيم أحمد بن حنبل، رحمه الله رحمة واسعة،  يجيبني وكأننا في مقام الأْنس الوجداني.. ما أعظمك يا إمامنا الذي لا يزال فكره حيًا في العقلية العربية والإسلامية بل والإنسانية..
 
جاء عنه في الأثر، والعهدة على الراوي والسارد، ما معناه، أنه كان في المسجد والذي يمتلئ بالمصلين.
قالوا له: تخيل كم عدد المصلين يا إمامنا، وكانوا سعداء بازدحام المسجد؟
فقال: لا أحد..!.
فقالوا له: هل أنت أعمى؟ (!!). 
فأجابهم:
الأعمى من سجد لله وتكبر على عباده.. 
الأعمى من توجه للقبلة وأدار ظهره للأيتام والفقراء..
الأعمى من يغمض عينيه عن أرملة أوجع رأسها حمل ثقيل..
الأعمى من كان في صف المصلين الأول، ولكنه غاب عن صفوف الجياع وقول الحق..
الأعمى من بنى مسجدًا لله وهدم دارًا تأوي عباد الله..
الأعمى من صام عن الطعام ولم يصم عن الحرام..
الأعمى من رفع الأذان ولم يرفع أبويه..
الأعمى من صلى وصام ثم غش في بيعه وشرائه..
الأعمى من قام بين يدي الله وقلبه يحمل حقدًا وكرهًا وبغضًا واحتقارًا لإخوانه..
الأعمى من كان هناك انفصامُ بين عبادته وأخلاقه ومعاملاته..
الأعمى من صلى وسجد وصام وهو يناصر الظلمة..
الأعمى من أخذ من الدين بعضه وترك بعضه..
الأعمى من صلى وصام وطاف حول الكعبة.. وطاف العالم، وتلذذ بالمأكل والمشرب والملبس ولم يطف حول الفقراء والمساكين والمحتاجين من الأقربين.. 
وصدق الله العظيم : }فمن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا{
وصدق الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وملائكته: (حرم الله على النار كل عين تبكي من خشية الله، وكل عين غضت عن محارم الله».
 
نظرة (19):
حين أعاد أنيس منصور اكتشاف عظمة أستاذنا الأكبر الدكتور طه حسين، جرت بيننا جدليات كثيرة عن العقاد وطه حسين، وأتذكر ما سرده لي تأكيدًا لهذه الواقعة الشهيرة، وسبق أن طرحتها مع تلميذة العميد العظيم، أستاذتي د. سهير القلماوي - أستدعيها في سياق سردية العيون التي في طرفها نزف: حين عين طه حسين عميد الأدب العربي وزيرًا للمعارف في مصر عن حزب الوفد توجه بعض المتظاهرين إلى ديوان الوزارة وهتفوا ضده قائلين:«يسقط الوزير الأعمى» في تظاهرة تضم غوغائيين من بعض الطلبة والمتزمتين يهتفون للجهل، ومعهم الفاسدون ووكلاؤهم من نفايات الاحتلال البريطاني البغيض والمستفيدون من ثقافة التخلف، وكان ذلك بعد إعلان مبدئه الشهير الذي لم يفارق كرسي الوزارة إلا بعد أن أصبح قانونًا تشريعيًا في مصر بأن التعليم حاجة أساسية للإنسان كمثل حاجته للهواء والماء، كانوا يهتفون وهو جالس في مكتبه بالوزارة يسمعهم: (أخرجوا الأعمى من الوزارة.. اطردوا الزنديق) فخرج إليهم فسكتوا وأنصتوا لما سيقول الوزير الأعمي، فبادرهم بهدوء: (ليس لدي ما أناقش به جهلة متخلفين لكني أحمد الله الذي جعلني أعمى كي لا أرى وجوهكم القبيحة). 
 
نظرة (20):
وعدت حضرات السادة القراء أني سأخصص الحلقة الثالثة من هذه السلسلة للحديث عما يسمى بـ (العين الثالثة) بعد حديثنا عن العين الجريئة والغامضة.. الطيبة والماكرة.. الخيرة والشريرة.. النارية والنورانية.. الصادقة والمخادعة.. الداهية والوادعة.. الساحرة والحاسدة.. الفاتنة والحاقدة.. الصفراء والحمراء. 
 
هل هي حقيقة؟ ولماذا يريد البعض إيقاظها؟ وهل هي محتجبة؟
عندي حصاد وفير عنها،  تحت عنوان المحتمل، فلا يوجد يقين، وإن وجد فهو يقين مراوغ.. 
ارتحلت في كوكب الميديا فأصابني الذهول حتى الثمالة!. تجارة رائجة ومتاجرة مربحة جدًا للأسف العنيف... استغلاليون من كل ملة، يستغلون الدين أسوأ استغلال بلا حياء أو خجل، اقرأ هذه الآية تنفتح عينك الثالثة، اقرأ هذا الاسم 1423 مرة يأتيك عفريت: شبيك لبيك خدامك وملك يديك.. اقرأ هذه السورة تأتيك الدولارات رزمًا وصناديق وأنت جالس مستأنس.. اذكر هذه الصيغة تنفتح لك السموات...! وغير ذلك من الأوهام والخزعبلات والخرافات والدجل والشعوذة، والكل يدعي، هذا لديه علم في الطاقة على طريقة (طاقية الإخفا والفانوس السحري) وهذا لديه (علم من الكتاب) أما هذا فلديه فيض من (العلم الَّلدْني) تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.. 
ولذلك ارتأيت أن أفرد سلسلة مستقلة، لهذه المأساة المستمرة والمستعرة على اليوتيوب والفيس وما دون ذلك... إن كان في العمر بقية!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة