Close ad

ثابت أمين عواد يكتب: عرب وأجانب على باب مصر

12-9-2021 | 06:14

رغم صعوبة الوصول إلى الرقم الدقيق لأعداد العرب والأجانب المقيمين في مصر أو القادمين إليها، إلا أن المؤكد أن أعداد هؤلاء في ازدياد، كما أن هذه الزيادة لا تتأثر بحكومات أو قوانين أو عهود، فزيادة عددهم أو إقامتهم، بشكل عام في مصر، يحكمها تقليد وكـأنه دستور إنساني متراكم، وتحدده عبارة ذهبية تقول: "إذا أغلقت أبواب الدنيا، فإن باب مصر الإنسانية مفتوح". 
 
من الدول الشقيقة مثل العراق وسوريا والأردن وفلسطين واليمن والسودان وغيرها من الدول العربية يقصدون باب مصر، وأيضًا من نيجيريا وتشاد والصومال وإثيوبيا، ولم تغير مصر وأهلها من حسن المعاملة لهؤلاء، بل يتمتع بعضهم أحيانا بحقوق استثنائية، لأن السماحة هي سمة راسخة وأصيلة في وجدان المصري، سواء كان حاكمًا أو مواطنًا.
 
 حتى أهل إثيوبيا، ورغم ما يحدث من توترات بسبب مياه النيل، لم تتغير معهم المعاملات ولم يتخذ ضدهم قرار أو إجراء، لأنهم مواطنون لا ذنب لهم، ولأن مصر أرض الكنانة..   
 
والسر في ذلك لم يظل سرًا، فإن أرض مصر وطيب مائها وتربتها، تنبت بشرًا هم أهل كرم ونخوة و مروءة وشهامة، فقد آوت واحتضنت أهل الدين والعقائد في الماضي بلا استثناء، فآوت أهل بيت النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، واحتضنت العائلة المقدسة، وعلى أرضها كان مسار خروج اليهود، فكيف لأهلها اليوم، أن يرفضوا استقبال كل من لجأ إليها مستغيثا أو طالبًا للعيش، أو قاصدًا لحياة كريمة.. 
 
ومع تدفق العرب والأجانب دائمًا تثار عبارت أن هؤلاء يحتكرون التجارة، ويضيقون فرص العمل أمام أبناء الوطن، ويزاحمون مواطنوه في كثير من سبل الحياة.. 
 
وهذا الحديث، الذي كثيرًا ما يثار مع حدوث أزمات في دول الجوار أو في مناطق الإقليم، مردود عليه، لأن التعاملات والأسواق والخدمات وعناصر الإنتاج تقدم وتفضل كل ماهو جيد، وتهمل الرديء، وبالطبع فإن كثيرًا من القادمين إلى مصر يحملون مهارات ومشروعات وأفكارًا ترحب بها الأسواق ويستفيد منها الاقتصاد، وأيضًا المواطنون، فلماذا لا نستفيد من هؤلاء، وفي النهاية المستفيد الأول والأخير هي مصر وناسها ومجتمعها.  
 
ولاشك أن تجربة دبي في استقبال الأجانب وحسن معاملتهم، مع اختلاف عناصر هنا أو هناك، تعد تجربة ثرية تؤسس لقيم حياتية راسخة، وضعها المؤسس للإمارة "المغفور له الشيخ راشد آل مكتوم.. 
 
فقد حضر إلى مجلسه، ذات يوم  في الستينيات، تجار من أهل دبي، يشتكون من كساد تجارتهم بسبب رواج تجارة الغرباء من تجار أهل الشام، وخسارتهم، وهم المواطنون أهل البلد، مقابل هذا الرواج الذي يذهب إلى جيوب تجار الشام..  
 
كان رد الشيخ راشد ذكيًا وحاسمًا، فقال لهم متسائلًا: هل هؤلاء يتاجرون بأموالكم؟، أجاب تجار دبي: لا، هل يتاجرون في الممنوعات؟، قالوا: لا، هل رأيتم منهم ما يشين أو من يعتدي على حقوق الآخرين؟، أجابوا: لا.. 
 
فقال لهم الشيخ راشد: كيف أطرد بشر تركوا بلادهم وجاءوا إلى بلدي لكي يعمروا فيها ويسعون ويتاجرون بالحلال، لماذا أغلق الباب في وجوه الشرفاء الذين يساهمون في التجارة ويضيفون بجهدهم لدعم الإمارة ورفعتها؟.. ووجه كلامه الى التجار الحاضرين: لن أقول لكم الا عبارة واحدة، "افعلوا مثلهم". 
 
كان من الوارد والمعتاد أن يتصرف حاكم دبي بأن يقول لمواطنيه التجار كلاما ملطفا وحماسيا، فقد ذهبوا يستغيثون به من الغرباء، وظنوا أن الحاكم سيؤيدهم ويكسب ودهم وحبهم، وفي المقابل سيتوعد هؤلاء الأجانب الشوام الذين يضيقون على حركة وأرباح أهل البلد وتجارتهم، إلا أنه تحدث لهم بمنطق واقعي يقدم الحق لأصحابه دونما اعتبار لمشاعر أو أحاسيس أو بلديات أو عنتريات.. "افعلوا مثلهم" ..هكذا تؤسس المدن وحواضرها.. وكذلك يسعى أصحاب البلد والأجانب إلى الأفضل وصولا إلى جودة الحياة.. 
 
في كل نشاط إنساني، هناك سلبيات بالطبع، وهذه السلبيات هي عمل واختصاص أهل الاختصاص، ولكن من المنطقي ألا نغلق ابوابًا تجلب لنا الكثير من الخير، بسبب باب ينفذ منه الضرر، وبالإمكان إغلاقه أو معالجته..
 
ودائمًا فإن التحديات تحمل النعمة والنقمة، في وقت واحد، والفيصل هو: ما هي الزاوية التي تتعامل معها في مواجهة هذه التحديات، لكي تحقق الفائدة من ورائها، أو العكس.. هي الزاوية الرحبة التي تفتح أبواب الرزق للجميع كما علمنا الكتاب الكريم في الآية 92 - من سورة المؤمنون:"إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون". 
ثابت أمين عواد 
[email protected]

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: