Close ad

حسين خيري يكتب: المتسامحون لا يشعرون بالشيخوخة

7-9-2021 | 00:01

يبلغ من العمر 65 عامًا، وما زال ينشر بمنشاره الخشب بنفس عزيمته، وهو في عمر الأربعين؛ حينما شاهدته لأول مرة في ورشته بحي السيدة زينب، كأنه يبعث برسالة أمل لكل من تعدى الستين عامًا، ويعرفهم أن نعمة الحياة لم تسلب منهم.
 
والنحيب على الشيخوخة مشهد يدعو إلى الأسى، ونراه على وجوه بعض كبار السن، غير أن المتسامحين منهم وأصحاب الخلق الطيب يتجنبون مضاعفات الشيخوخة، ويعتبرونها مرحلة كبقية مراحل العمر لها ما لها وعليها ما عليها، ويتعاملون بصدر رحب مع الجميع، ويحاولون نسيان أخطاء الآخرين تجاههم، ويبذلون جهدهم في مد يد العون لكل محتاج، ويقدمون روشتة فيها خلاصة خبرتهم، وتتضمن كذلك التحذير من الوقوع في نفس أخطائهم.

وتوصلت دراسة في جامعة فنلندية إلى أن سن التقاعد يقلل نسبة الإصابة بأمراض القلب والوفاة المبكرة، بسبب ابتعاد المتقاعد عن ضغوط العمل، وأظهرت دراسة أمريكية أن النساء في عمر الستين وما بعده تتحسن حياتهن لإنخفاض درجات الأرق والتوتر.
 
والخطأ الكبير الذي يقع فيه بعض كبار السن إيمانهم بمقولة "إحنا كبرنا على الكلام ده يا الله حسن الختام"، برغم أن الدول المتقدمة يطلقون عليه العمر الذهبي للإنسان، بعد توقفه عن الدوران حول ساقية متطلبات عمله ومشاكل أبنائه.
 
وقد يعترض البعض على مصطلح العمر الذهبي، ويرون أن معهم كل الحق، ووجهة نظرهم أن العمر الذهبي يقتصر على الحياة في الدول المتقدمة، أما في الدول النامية أعباء الحياة لا تفارقه بعد سن التقاعد، والإنسان يعيش فيها محرومًا من جني ثمار جهده في هذا السن.
 
ولكن بعيدًا عن النقد هناك أشخاص كسروا حاجز العمر، ونجحوا نجاحًا باهرًا عند تخطيهم سن الستين، فقد أسس "كولونيل ساندرز" أشهر سلسلة مطاعم "كنتاكي" وعمره تجاوز الستين عامًا، وعاش معاناة طويلة من الفقر والحرمان، ولم يستسلم لفشل تجاربه المتكررة، حتى توصل إلى خلطته السحرية.
 
وتولي "ونستون تشرشل" رئاسة الإمبراطورية البريطانية في سن 62 عاما، وأعاد لها مجدها، وأخلص لشعبه في رفع أشكال المعاناة عن كل طوائفه، وهزم هتلر، وأول من أخترع علامة النصر، ورفع أصبعيه بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية، واشتهر بلقب الأسد العجوز، ومن كلماته الشهيرة "المسئولية ثمن العظمة"، وقال: "حين تصمت النسور تبدأ الببغاوات بالثرثرة".

وابتكر هنري فورد سيارة وعمره 45 عامًا، وأخذ يطور فيها حتى أصبحت نصف سيارات أمريكا، وكان يبلغ من العمر 55 عاما، وحافظ على رئاسة إدارة شركته إلى سن الثمانين، وظلت الشركة تدر أرباحا ضخمة.
 
ولا ننسي أفضل مثالا مصريا الدكتور محمد مشالي رحمة الله عليه طبيب الغلابة من مدينة طنطا، ولم ينقطع عن عطائه وهو في سن السبعين، وكان يشعر بسعادة غير منقطعة النظير في علاج الفقراء بأجر رمزي 10 جنيهات، وأحيانا يعطي لهم الدواء مجانا، وفي هذا العمر كان يستيقظ في الساعة السابعة والنصف صباحا، ويذهب إلى عيادته في قريته، ثم يتوجه إلى بيته، وفي المغرب يزاول نشاطه في عيادته بمدينة طنطا، ومع بلوغه من العمر عتيا لم يهاجمه اليأس.
 
إن اليأس فيروس قاتل، لا ينجو منه شيخا ولا شابا، وكلما اقترب الإنسان من الله تنجيه رحمته من إصابته باليأس، فلذا كبار السن الطيبون والمتسامحون السعادة لا تتركهم، فقد وقرت رحمة الله في قلوبهم.

Email: [email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: