أنشئ قصر العيني عام 1837 كأول مدرسة قومية للطب في مصر، ويعود الفضل في إنشائه إلى أنطوان كلوت (كلوت بك أو كلوت بيه) الطبيب الفرنسي الذي نشأ في مدينة" جرينوبل " بفرنسا سنة 1793م، وعاش فترات طويلة من حياته في مصر بعد ما طلب منه محمد على باشا تنظيم الإدارة الصحية للجيش المصرى، حيث كان المرض يفتك بالجنود في المعسكرات، وأن أعداد الموتى نتيجة التكدس في هذه الأماكن تفوق أعداد القتلى في المعارك، كما أن عدم وجود أي رعاية طبية أدى إلي هلاك أعداد كبيرة من الجرحى في المعارك.
موضوعات مقترحة
لوحة لمدرسة طب أبو زعبل
وعليه، فقد كلفه محمد على باشا بمنصب كبير أطباء وجراحي الجيش المصري، وبعد ذلك كلفه بإنشاء مدرسة للطب البشرى، وأن يُعهد فيها بالتدريس لعدد صغير من الأطباء الأوروبيين على أن يكون التلاميذ من المصريين، وطلب أن يكون التدريس باللغة العربية حتى يتمكن الأطباء عند تخرجهم، من التواصل بنفس اللغة مع مرضاهم.
وبالفعل افتتحت المدرسة الجديدة عام 1827م، وأقيمت بجوار معسكر كبير للجيش، اسمه "جهاد آباد"، في أبو زعبل شمال شرقي القاهرة.
وتعتبر أول مدرسة طبية في العصر الحديث وفى الشرق كله، وتولى إدارتها الدكتور كلوت بك، وتم إعطاء أول درس تشريح لـ100 طالب مصري بواسطة كلوت بك بحضور العديد من المشايخ والأساتذة والمترجمين، وتم توثيق هذا الدرس بلوحة مرسومة ومعروضة بمتحف الطب بقصر العينى.
كلوت بك
ومعظم الأساتذه الذي تولوا التدريس فى المدرسة كانوا فرنسيين وإسبان وطليان، بالإضافة إلى أن الكتب والمراجع كانت فرنسية، وكانت المحاضرات تُترجم للعربية لتدريس التشريح، والجراحة، والأمراض الباطنية، وعلم الصحة، والصيدلة، والطب الشرعيـ والفيزياء و الكيمياء، وكانت مستشفي أبو زعبل تضم ٧٢٠ سريرا، ونقلت بعد ذلك مدرسة الطب من "أبو زعبل" إلي "القصر العيني" في السنة 1837 م.
ونظرا لمجهودات الطبيب انطوان كلوت منحه محمد علي باشا لقب "بك" عام 1827م؛ تقديرًا لجهوده في النهضة الطبية التي أحدثها في مصر، وتعد انجازات كلوت بك فى مصر من ضمن النهضة العلمية التي حصلت في كل المرافق الاجتماعية و الاقتصادية في عهد محمد علي.
وبذل كلوت بك جهودًا كبيرة في مقاومة الطاعون الذي حل بالبلاد عام 1830م، وعُني بتنظيم المستشفيات، وهو الذي أشار بتطعيم الأطفال ضد الجدري.
وفي عام 1847م، كان كلوت بك أول من استخدم "البنج" في مصر في عمليات خاصة بالسرطان والبتر، وأثرى كلوت بك المكتبة الطبية العربية بالعديد من المؤلفات الطبية.
لافتة شارع كلوت بك
وبعد وفاة محمد على باشا، وفي عام 1849م عاد إلى مرسيليا، بعد أن ساد مصر حالة من الإهمال في عهد عباس حلمي الأول، ورغم ذلك عاد إلى مصر عام 1856م في عهد محمد سعيد باشا؛ الذي قرر إعادة افتتاح مدرسة الطب في احتفال ضخم.
وفي عام 1858م، عاد كلوت بك إلى فرنسا لاعتلال صحته، وتوفي في مرسيليا في 28 أغسطس عام 1868، ومازال اسم "كلوت بيك" يطلق على شارع من أهم شوارع وسط القاهرة حتى الآن.
لوحة لأول درس تشريح لكلوت بك لمائة طالب بمدرسة ابو زعبل